La philosophie de l'histoire chez Vico
فلسفة التاريخ عند فيكو
Genres
وقد قدم فيه عرضا وافيا - إلى حد كبير - للعلم الجديد ختمه بتقييم شامل لتفكير فيكو وبيان حدوده وجوانب القصور فيه.
وعلى الرغم من أهمية هذه البحوث إلا أنها لم تستقص كل جوانب فلسفة فيكو ولم تقدم نظريته في التاريخ بصورة وافية، ومع اعترافنا بقيمة هذه الدراسات فإن المكتبة العربية كانت وما تزال في أشد الحاجة إلى بحوث متخصصة في فلسفة فيكو؛ ولهذا حاولنا في هذا البحث أن نقدم صورة واضحة عن هذا الفيلسوف معتمدين في المقام الأول على نصوصه نفسها. والواقع أن هذا لم يكن أمرا سهلا بسبب كثافة المادة التاريخية التي تناولها مما أعجزه عن تنظيمها والسيطرة عليها؛ فقد كان ينتقل من موضوع إلى آخر - ربما دون أن يدري هو نفسه بهذا الانتقال - بحيث يصعب الفصل بين هذه الموضوعات، ومما زاد من صعوبة البحث أن فيكو لم يشر إلى هوامش ولم يقم بعمل إحالات للنصوص، بل حشد في النص الأصلي ما كان يجب أن يشير إليه في الهامش مما جعل العثور على الأفكار الأساسية أمرا شاقا في خضم التفصيلات الجزئية الكثيرة والمتشابكة.
وقد حاولت أن ألتزم بالنصوص وأن أقدمها تقديما وافيا منظما مع الحرص على عدم إغفال أية نقطة جوهرية في الكتاب كله، وقد كانت قراءة النص وحدها مسألة شائكة لأنه يفترض إلمام القارئ بالثقافة الكلاسيكية (الثقافة اليونانية والرومانية) إلماما تاما، وكذلك معرفة تاريخ القانون الروماني، كما يستلزم قدرا كافيا من الإلمام باللغة اللاتينية بوجه خاص والقدرة على تتبع المؤلف في تحليلاته الاشتقاقية المرهقة التي جعل لها أهمية كبرى في تتبع تطور التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية من خلال التطور اللغوي.
والمنهج المتبع في البحث هو المنهج التحليلي النقدي؛ فقد توخينا عرض النصوص عرضا أمينا بحيث لا نغفل شيئا هاما منها مع الحرص على ترتيب وتنسيق ما وجدناه محتاجا إلى الترتيب والتنسيق، وعلى سبيل المثال وجدنا أنه من الضروري تصنيف المسلمات إلى مجموعات رئيسية حسب موضوعاتها ووضع عناوين مناسبة لها؛ إذ إن فيكو وضع مائة وأربع عشرة مسلمة في موضوعات متعددة وتركها بغير تصنيف أو تنسيق، ومن الطبيعي أن عرض النصوص وحده لا يكفي، فكان لا بد من تحليلها وتقييمها بعد ذلك. كما اتبعنا المنهج المقارن لبيان أثر فيكو على بعض فلاسفة التاريخ في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
وقد اعتمدنا على نصوص فيكو من خلال مؤلفاته الأصلية، وخاصة أهم مؤلفاته «العلم الجديد في الطبيعة المشتركة للأمم»، وهو الذي شمل فلسفته بأكملها وفلسفته التاريخية بصفة خاصة بجانبيها النظري الميتافيزيقي والتطبيقي التجريبي، كما اعتمدنا على الترجمة الإنجليزية ل «العلم الجديد» التي قام بترجمتها العالمان
Fisch
و
Bergin
عن الطبعة الثالثة للنسخة الإيطالية الصادرة عام 1744م، أما عن بقية مؤلفاته فقد كانت بمثابة إرهاصات لفلسفته التي تبلورت في النهاية في المؤلف الكبير «العلم الجديد» الذي عكف على تأليفه وتعديله وتنقيحه أكثر من ربع قرن من حياته، ومع ذلك فقد رجعنا إلى ما توفر من بقية مؤلفاته مترجما للغة الإنجليزية ومن أهمها «السيرة الذاتية» و«مناهج الدراسة في عصرنا» الذي عارض فيه بوضوح نظرية المعرفة الديكارتية. وأما عن مؤلفه «الحكمة الإيطالية القديمة» فقد تعذر الحصول على ترجمة له بالإنجليزية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن موضوع هذا المؤلف لا يتعلق بالقضايا الأساسية التي تناولناها في هذا البحث. أضف إلى هذا أن مضمون مؤلفات فيكو كلها - التي كتبها باللغة اللاتينية قبل أن يتحول إلى اللغة الإيطالية في العلم الجديد - متضمنة في آخر مؤلفاته وأهمها وهو «العلم الجديد»، فبعد اكتشافه علمه الجديد كرس البقية الباقية من حياته لتنقيحه وإضافة فصول جديدة له؛ ولهذا اعتمد البحث في المقام الأول على النصوص الأصلية.
وقد قسمنا البحث إلى ثلاثة أبواب مترابطة يؤدي كل منها إلى الآخر؛ عرضنا في الباب الأول أصول العلم الجديد، وحاولنا في الفصل الأول منه تتبع نشأة العلم الجديد وتبلوره في ذهن مؤلفه، وكان لزاما علينا أن نعرض للظروف التاريخية والثقافية التي عاش في ظلها وأثرت على تفكيره؛ فقد عاصر سيطرة الفلسفة الديكارتية العقلانية، وكان له موقف محدد منها جعله يميل إلى تغليب منهج بيكون الاستقرائي، وإن كان في النهاية قد جمع بين الاثنين دون أن يشعر، ويقدم الفصل الثاني أصول العلم الجديد ومبادئه ومنهجه.
Page inconnue