La philosophie de l'histoire chez Vico

Catiyyat Abu Sucud d. 1450 AH
18

La philosophie de l'histoire chez Vico

فلسفة التاريخ عند فيكو

Genres

وقد اطلع فيكو أثناء كتابته لتاريخ أسرة كارافا

Carafa

على الكتاب المشهور «قانون الحرب والسلام» لجروسيوس ليهيئ نفسه لكتابة التاريخ العالمي الذي دفع لكتابته أثناء تأريخه لهذه الأسرة، ونبهته قراءته لجروسيوس إلى أن الفلسفة وفقه اللغة يجب أن يتحدا ليقيما نسق القانون العالمي، وقاده جروسيوس إلى أصحاب نظريات القانون الطبيعي سيلدن وبافندروف، ثم قاده نقد بافندروف لهوبز إلى الاطلاع على هوبز نفسه، ومن هؤلاء جميعا، جروسيوس وبافندروف وهوبز، أيقن أن مؤسسي المجتمع المدني الأول لم يكونوا فلاسفة ولم تنشأ المجتمعات الأولى من الحكمة الفلسفية العميقة، كما كان يعتقد قديما، ولكن الإنسان الوحشي البعيد عن الحضارة هو الذي دفعته غرائزه الفطرية ورغبته في البقاء وحاجاته ومنافعه الضرورية إلى أن يتطور مع الزمن فيصبح إنسانا اجتماعيا ويضع أول حجر في بناء الحضارة.

تصدى فيكو لنقد نظريات القانون الطبيعي لأن أصحابها في رأيه قد وقعوا في خطأين أساسيين؛ أولا: افتقارهم للحس التاريخي أو الرؤية التاريخية؛ إذ سلموا في مناقشتهم لأصول المجتمع البشري والمؤسسات الاجتماعية بسكون الطبيعة البشرية وجمودها وأنها طبيعة غير متغيرة فكانت مناقشاتهم ضربا من الجدال المجدب انتهى في رأيه إلى تجريدات جوفاء مثل القانون الطبيعي والعقد الاجتماعي. ثانيا: الخطأ الثاني الذي وقع فيه أصحاب نظريات القانون الطبيعي والنظريات السياسية في القرن السابع عشر هو محاولتهم إسقاط ثقافة عصرهم وتفكيرهم العقلي المنطقي على بدايات المجتمع البشري ففقدوا بذلك المفتاح الأساسي لسيكولوجية الشعوب الأولى وافترضوا أن أولئك البشر كانوا يفكرون مثلهم، كما حاول هؤلاء الفلاسفة تفسير الماضي تفسيرا يتوافق مع مصالح عصرهم وحاضرهم. من هنا كانت أولى مسلمات فيكو في أصول العلم الجديد «أن العقل البشري يجعل من نفسه مقياسا للحكم على الأشياء جميعا كلما ضل في الجهل.» لقد فرض هؤلاء الفلاسفة على مشاعر البدائيين وتفكيرهم أفكارا فلسفية لم تعرفها المجتمعات القديمة، فجاءت مسلمة فيكو الثانية التي تقرر صفة أخرى من صفات العقل البشري وهي حكمه على الأمور المجهولة والبعيدة على أساس الأمور المألوفة له والقريبة منه، ولقد ذكر فيكو هاتين المسلمتين في معرض كلامه عن غرور الباحثين، ولعله قصد بذلك أصحاب نظريات القانون الطبيعي والنظريات السياسية في القرن السابع عشر الذين تصوروا البدايات الأولى للبشرية على ضوء حياتهم وثقافة عصرهم المستنير؛ ولهذا وصف فيكو نظرياتهم بأنها «القانون الطبيعي للفلاسفة» وعارضهم «بالقانون الطبيعي للشعوب» ووجد أنه لا مفر من العودة للوراء لقراءة ما بداخل قلوب الشعوب الأولى وعقولها، وكيفية شعورهم وتفكيرهم ونشأتهم نتيجة فترات طويلة من التطور التاريخي. وبهذا يكون قد شق طريقه عائدا من العصر الذي يتسم بالعقل والإنسانية إلى العصور الأولى البربرية التي لم تعرف التفكير العقلي ولا يمكن فهمها إلا بعناء مضن. من هذه الحقيقة الهامة نستطيع أن نتتبع بدايات المجتمع البشري وأصوله كما نستطيع أن نفهم مسلمته الأساسية: «إن كل نظرية يجب أن تبدأ من حيث يبدأ الموضوع الذي تتناوله.» وبذلك تكون مشكلة تكون المجتمع المدني هي مشكلة الأصول التاريخية لهذا المجتمع، وهي نقطة أساسية أخفقت التشريعات الكبرى والنظريات السياسية للقرن السابع عشر في التعرف عليها.

بهذا يكون «القانون الطبيعي للفلاسفة»، وهو الذي تمخض عن التصور والتحليل الفلسفي، قد تحول عند فيكو إلى «القانون الطبيعي للشعوب» الذي ينمو نموا طبيعيا مع نمو المجتمع ويؤكد أن مراحل تطور هذا المجتمع تكون من داخله، وأن «القانون الطبيعي للشعوب» ليس هو حكمة الحكماء أو فلسفة الفلاسفة بل هو الحكمة الشعبية للشعوب نفسها، يقول برييه في كتابه تاريخ الفلسفة: إن النتائج التي توصل إليها فيكو تعارض ما توصل إليه كل من هوبز ولوك اللذين يقولان إن شكل الدولة قد صاغه الحكماء من البشر، فلا يوجد في رأيه حكماء ولا فلاسفة إذا لم توجد دولة أو حضارة. والميزة الكبرى لفيكو أنه يستند على الوثائق الحية

21

فلم يلجأ إلى التنظيمات والتشريعات أو إلى النزعة العقلية لتفسير نشأة المجتمعات الأولى، وإنما اعتمد على التاريخ نفسه وعادات الشعوب، وعصمته عودته إلى التطور التاريخي والاجتماعي للأمم من السقوط في النزعة العقلية واللجوء إلى فكرة العقد الاجتماعي التي كان يتجنبها، ويرى كل من

Bergin, Fisch

في ترجمتهما لسيرة «فيكو الذاتية»، أنه يتابع تطور المجتمع المدني بكل فروعه ودقائقه كما يتعقب تطور العناصر الحضارية الأخرى الموازية له لكي يدعم فكرته الأساسية وهي أن الدولة توجد وجودا طبيعيا وتاريخيا ولا تنشأ بالمواضعة والاتفاق وأن هذا يصدق على الحضارة البشرية في مجموعها.

22

Page inconnue