Philosophie du plaisir et de la douleur
فلسفة اللذة والألم
Genres
يدعونا الواجب أن لا نحصر انتباهنا في بحث المبادئ الإيحائية
Inspiring Principles
11
وحدها، بل ينبغي علينا أن نتوجه أيضا إلى بحث النتائج التي تتربت على مثل هذه الميول الفكرية، على أن أقلية من المفكرين هم الذين ينكرون أن في كل من هذه الميول الفكرية ناحية من الحق، ولكن إذا استجمعنا تلك النواحي وأخذناها باعتبارها «كلا» واحدا، فهل تشمل الحق كله؟
علينا الآن أن نمضي في شرح الأسباب التي تحملنا على الاعتقاد بأنه من الصعب أن نجيب على هذا السؤال بصيغة الإيجاب، وهذا رأي الأستاذ جومبرتز، لهذا ينبغي علينا أن نمضي في سرد أدلته التي سوف نرد عليها بعد أن نكمل سردها بإسهاب.
إن الهيدونية لا تستحق كل ذلك اللوم الذي يوجه نحوها عادة، غير أن الظاهر أنها تعجز دائما عن أن تزودنا بتفاصيل وافية في شرح الحقائق التي تحاول تبيانها، أو ترمي إلى الكشف عنها، وهي ككثير غيرها من المذاهب القديمة مدخولة بنقيصة، هي الناحية العكسية لما ندعوه «جوهر الموضوع»، وتنحصر هذه النقيصة في أن الهيدونية تغالي في السعي وراء الحصول على درجة من الغرارة (البساطة) لا تحتملها الحقائق، فإن تلك الظاهرة الإنسانية التي اتخذتها الهيدونية، كما اتخذها بنتام أعظم نصرائها في العصور الحديثة؛ أساسا لكل ما يصدر من الأعمال الإنسانية - تنزل في غور سحيق بعيد العمق، ولكنه مع ذلك ليس بأبعد الأغوار التي يمكن أن تصل إليها عين الباحث المستعمق.
ولنأخذ للبحث مثلا من سعي الإنسان والحيوان لطلب الغذاء، فهل صحيح أن الإنسان والحيوان إنما يرغبون في الغذاء بسبب اللذة التي يستشعرونها عند الأكل؟ أما إذا بحثنا هذا الموضوع بحثا أدق، فالظاهر أننا سوف نجد أن الحقيقة على خلاف ذلك، فإن رغبتنا في الغذاء رغبة عاجلة، تنشأ من قاسر غريزي يدفعنا إلى حفظ الحياة وتقويمها، أما اللذة فظاهرة تأتي تبعا لذلك، وتشترك معه اشتراك كل الأفعال الأخرى التي تحفظ الحياة وتوازن مكملاتها، والغالب أننا لا نخطئ كثيرا إذا فسرنا هذه الحقيقة على قاعدة طبيعية.
فإن تركيب المادة التي يتكون منها جسم الحيوان عرضة دائما إلى التحلل، وهذا التحلل يستمر إذا لم تعوض الأجسام عما تفقده من طريقه، ونجد من جهة أخرى أن تركيب مادة الأجسام الحية فيه قوة المقاومة، وهي حقيقة تظهر جلية في الفعل العكسي الذي يصدر عن الخلايا الحية تلقاء المؤثرات المضرة، وهذا الفعل العكسي وغيره من الحقائق ذوات الآصرة به مما نقع عليه في الطبيعة، لا يمكن تعليلها بغير هذا.
وقد نسعتين بذكر ناموس الوراثة الذي يرتكز على نزعة في نظام طبيعي، بدأت مرة لتستمر في تأثيرها إلى غير نهاية، ثم الناموس الأول من نواميس الحركة الذي تتجلى فيه هذه النزعة على صورة نتبين منها كيفية تطبيقها بوضوح تام، وعلينا بعد هذا أن نذكر أيضا أن المفاعلات الطبيعية التي تحدث في الكائن العضوي تشرف عليها، إشرافا جزئيا على الأقل، ظاهرات لها طابع نفسي، يتجلى فيه أثر الحركة الانفعالية، ومن هنا يحصل بتأثير قوة من قوى التكافؤ القصدي أو الغائي، إن لم تكن لتبعث فينا شيئا من العجب الشديد، فإنها عميقة المدى بعيدة الأثر، أن تستشعر الكائنات الحية بلذة تستخلصها من كل المفاعلات الطبيعة المؤدية إلى بقائها، وأن تستشعر ألما في كل المفعالات التي لا تؤدي إلى هذه الغاية، ومن هنا تتحول اللذة والألم إلى ظاهرات تصحب هذه النزعة البدائية، على أننا في كل هذه الملاحظات التي نقع على جرثومتها في كتابات أرسطوطاليس، قد اعتبرنا الإنسان جزءا من الطبيعة، لا شيئا منفصلا عنها وقائما إلى جانبها.
ولا جرم أنه يساء فهم هذه الملاحظات إذا فرضنا أن الإنسان برغم أنه مزود بالعقل والشعور مجرد عبد أو آلة تحركها قواسر بدائية مؤصلة في تضاعيفها؛ لأن الإنسان بفضل الصور والفكرات التي يستخزنها في وعيه، أو بوجه أدق بفضل منازعه الإرادية التي تصدر عن هذه الصور والفكرات؛ يستطيع أن يظهر مقاومة لأقوى قواسره، فإنه يقدر أن يموت، وأن يموت جوعا، ولكنه ما دام بعيدا عن أن «يريد شيئا يقمع غرائزه الطبيعية» فإن غرائزه تمضي في إبراز نتائجها العاجلة، من غير أن تنظر في ما إذا كانت هذه النتائج يمكن أن تحدث لذة، حتى ولو كان إشباع هذه الغرائز ينتج لذة بالفعل، وفي هذه الحالة كما في غيرها من الحالات نجد أن السقراطية
Page inconnue