Philosophie du plaisir et de la douleur
فلسفة اللذة والألم
Genres
الإهداء
المقدمة
كلمات جامعة عرضت في فصول هذا الكتاب
1 - أصول الفلسفة اليونانية ومذهب اللذة والألم
2 - القورينيون
3 - شرح المذهب وإلمامة بتاريخه
4 - نقود ومقارنات
5 - في تطبيق المذهب على الحقائق الجديدة
6 - نظرية المعرفة عند القورينيين
الإهداء
Page inconnue
المقدمة
كلمات جامعة عرضت في فصول هذا الكتاب
1 - أصول الفلسفة اليونانية ومذهب اللذة والألم
2 - القورينيون
3 - شرح المذهب وإلمامة بتاريخه
4 - نقود ومقارنات
5 - في تطبيق المذهب على الحقائق الجديدة
6 - نظرية المعرفة عند القورينيين
فلسفة اللذة والألم
فلسفة اللذة والألم
Page inconnue
تأليف
إسماعيل مظهر
الإهداء
لذكرى يعقوب صروف
إحياء لماض مفعم بأسمى الذكريات
المقدمة
قرأت أن كتابا بغير مقدمة كرسالة بغير عنوان، ولا تزال هذه العبارة عالقة بذهني، وقد دارت الأرض من حول الشمس منذ قرأتها عشرين دورة على الأقل.
أمن سر في هذه العبارة، جعلها تعلق بذهني ويثبت أثرها فيه؟
أذكر أن الكتاب الذي قرأت فيه هذه الجملة كان في التاريخ، ويخيل إلي أنه كان في تاريخ نابليون في منفاه، ولقد استيقظت في ذهني هذه الذكريات، لما أن تناولت القلم لأكتب بضعة أسطر تصديرا لهذا الكتاب، بعد أن شغلت بتأليفه أربع سنوات كاملة، ونبذته ناحية من حجرة درسي ثلاثا أخر، فلما أن مدت ظروف الدنيا يدها إليه؛ لتحبوه الحياة بعد طول النبذ، وتناولت القلم لأخط بضعة أسطر تعريفا به؛ غمرتني فكرة في خلود الإنسان، وخلود آثاره، هي في الواقع فكرة اشتركت في وعيي بنابليون، وما يضفي عليه بعض المؤرخين من صفات الخلود.
يقولون: إن نابليون رجل خالد! ولكن بالقياس على أناس غير خالدين، ممن تعد من خلائق الله. ويقولون: إن مصر خالدة! ولكن بالقياس على أمم أصبحت أحاديث وأخبارا في بطون الكتب، أو أساطير تروى عن القرون الأولى. ويقولون: إن مذهب سقراط الفلسفي مذهب خالد! ولكن بالقياس على مذاهب بادت من عالم الفكر، غير مخلفة أثرا؛ فظهرت واختفت كأنها نبت الصحراء يخرجه الغيث ويطويه الجفاف.
Page inconnue
هذه تأملات خرجت منها بنتائج لا أشك في صحتها، فإن في التاريخ البشري ما يدل على أن شعوبا كالفراعنة وأهل الصين والهند صمدت لأعاصير الزمن بما فيها من الصفات الرسيسة، واحتفظت بكيانها على الدهور فلم تبد ولم تنقرض، ولكنها صالت واستكانت، وتناوبت عليها دورات من الصولة والاستكانة، احتفظت خلالها جميعا بطابع من القوة، ووسمت بسمة من الجلد على مدافعة النوائب، صامدة للشدائد، بعيدة عن أن تذعن لهزيمة، تسلم بها إلى الفناء. فهذه شعوب خالدة تشبه الخالدين من الذوات.
تجد في عالم الفكر نظير هذه الأمم، مذاهب فلسفية تنقلت على مدى الزمان، وظلت منذ ولدت إلى الآن حية فتية، فهذه مذاهب خالدة تشبه في عالم الفكر؛ تلك الأمم في عالم الإنسانية.
هذه الفكرة الأولية تزودنا بقاعدة ننتحيها في كتابة تاريخ الفلسفة من وجهة جديدة، نتخذ فيها هذه المذاهب على أنها أصول الفلسفة وأركان الفكر، وغيرها من المذاهب تفاريع عليها وملحقات بها.
أما مذهب اللذة والألم في فلسفة الأخلاق، فثابت، درج مع القرون، خرج بداءة من قورينة الأفريقية، قائما على فكرات أساسية في مذهب سقراط وبروطاغوراس ولوسيفوس وديمقربطس، ثم عاد إلى اليونان فتشكل في ذهن أبيقور بصورة، ثم في مدرسة الإسكندرية بأخرى، وعند الروافيين بثالثة، وأخذ يتنقل خلال العصور، إلى أن برز في صورة كونها بنتام ومل وأترابهما، فلابسته المنفعة بدل اللذة.
وهذا الكتاب تنفيذ جزئي لهذه الفكرة العملية.
إسماعيل مظهر
أبريل 1936
كلمات جامعة عرضت في فصول هذا الكتاب
إنك لن تقع على شيء تحت الشمس، لا يمت إلى الفكر اليوناني بسبب.
جلبرت مري
Page inconnue
المدنية اليونانية أرقى المدنيات القديمة، وكانت نتاجا لأقصى حد وصلت إليه مدارج التثقيف العقلي في الأعصر الفارطة.
إن سرعة الارتقاء المدني يرجع إلى ما يؤثر في الأمم ذوات المدنيات المستحدثة الثابتة القوية في عصر ما، من المنبهات التي تستمد من معارف الأمم الأجنبية عنها، وفكراتها وطرق تثقيفها عامة.
روبرتسون
إذا غرست التقاليد أصول فكرة من الفكرات، سواء كانت عقلية أم فنية أم أخلاقية، أم من أي ضرب آخر من ضروب الثقافة والمعرفة، ثم درجت عليها الأجيال المتعاقبة، فإنها لا تمحص ولا تختبر، بل ولا تعرض على محك النقد، لتبلو نصيبها من الصحة والخطأ ، ذلك بأن تقريرها في الأذهان، يدخلها في حظيرة النحل المقدسة، ويرفعها إلى مرتبة العقيدة الثابتة، التي يعد بحثها تدنيسا لقداستها وتهجما على حرمتها.
ألبرت فور
لقد أكد بحاث أن الملحمة التي نظمت في التغني بانتصار الفرعون رمسيس الثاني - سيزوستريس - من ملوك الأسرة التاسعة عشرة على سوريا، كانت الأصل الذي أوحى إلى هوميروس بنظم إلياذته.
ألبرت فور
إنها لحقيقة ذات بال، أن العلم والحضارة عند اليونان لم ينتعشا إلا بعد الهجرة إلى وادي النيل.
ملهود
قبل ظهور اليونان في التاريخ الحقيقي كان المصريون هم الذين أوجدوا أكمل حضارة، وأفتن وأزهر مدنية.
Page inconnue
ألبرت فور
إن من يحاول أن يضع نفسه في موضع الفارس من ظهر الجواد، أو الربان من دفة السفينة، إنما هو الرجل الذي يعرف كيف يقودهما في الطريق المستقيم، لا الرجل الذي يفرق من استخدامهما.
أرسطبس
إني أملك ولا أملك.
أرسطبس
إن مبدأ أرسطبس الأول، ومثله الأعلى في الحياة، انحصر في أن يكون الإنسان سيدا للأشياء لا عبدا لها؛ أي إنه يجب علينا أن نملك لذائذنا من غير أن نجعلها تملكنا.
هوراس
أجود الناس من بذل المجهود، ولم يأس على المفقود.
حممة بن رافع الدوسي
إن دورة عقلي قد كونت - لحسن الحظ - بحيث تجعلني شديد الحساسية؛ فأتأثر بالأشياء ابتغاء الاستمتاع بها، ولكن لم تبلغ حساسيتي بالأشياء حدا يجعلني أتألم من فواتها.
Page inconnue
منتسكيو
لخير لي أن أكون مستجديا من أن أكون أحمق بليدا، فإن الأول إن كان بلا مال، فإن الثاني بلا رجولة.
أرسطبس
إلى ذيونسيوس طاغية سيراقوز:
ذهبت إلى سقراط لما شعرت بحاجة إلى المعرفة، وقدمت إليك لما شعرت بحاجة إلى المال.
أرسطبس
اللذة تحركنا، ولكن إرادة الله تحكمنا.
بالي
الفضيلة هي فن إسعاد الذات بالعمل على إسعاد الغير.
لبنتز
Page inconnue
يقول أرسطوطاليس: إن الحياة السعيدة يجب أن تكون ربيعا صحوا، تسبح في جوه خطاطيف الربيع، وتسطع شمسه على الدوام، أما عند أرسطبس فالأمر على خلاف ذلك؛ فإن خطافة واحدة عنده تدل على جزء من الربيع، فينبغي للرجل الحكيم أن لا يترك خطافة الربيع تفلت من يده؛ بل ينبغي له أن يعمل طول حياته على أن يقتنص أكبر عدد من خطاطيف الربيع، حتى إذا زاد عدد الأيام التي يسعد فيها بالاقتناص، على عدد الأيام التي لا يسعد فيها بخطافة، استطاع بعد ذلك أن يقول: إني حييت حياة رجحت لذاتها على آلامها، وهذا هو معقول السعادة عند أرسطبس.
المؤلف
الغرض من الفلسفة تكوين ملكة تهيئ للفيلسوف أن يعيش حتى لو فرض وألغيت كل الشرائع، كما كان يعيش وهي قائمة.
أرسطبس
أما إذا كانت الملكة الوسطى هي وحدها الممدوحة - كما يقول أرسطوطاليس - وأن تقويم النفس - على ما يقول - يلزمنا أن نميل تارة نحو الإفراط (الألم) وتارة نحو التفريط (التحرر من اللذة والألم) لأننا بهذه المثابة يمكننا بأسهل ما يكون أن نصيب الوسط والخير (الحركة اللطيفة)؛ أي اللذة عند أرسطبس، فأي شيء بقي بعد ذلك من مذهب أرسطبس لم يدخل في مذهب أرسطوطاليس الأخلاقي، وأي شيء في مذهب أرسطوطاليس في السعادة لم يرجع إلى هيدونية أرسطبس.
المؤلف
الفصل الأول
أصول الفلسفة اليونانية ومذهب اللذة والألم
شاء القدر أن يظل مذهب أرسطبس غير معروف عند العرب إلا لماما، شأن أكثر المذاهب التي تفرعت عن دوحة سقراط العظيم. وشاء القدر أن يحاول أرسطوطاليس ألا يذكر اسم أرسطبس، بالرغم من أنه ناقش في مذهبه مناقشات طويلة في كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس، بل وأخذ ببعض مبادئ المذهب القوريني، فحورها وأدمجها في مذهبه.
وشاء القدر أن لا يذكر بر تلمي سنتيلير هذا المذهب في المقدمة المستفيضة التي وضعها لترجمة كتاب أرسطوطاليس في الأخلاق تعيينا، كما أنه لم يناقش في مذهب الرواقيين الذين هم فرع من دوحة أرسطبس، وحلقة انتقال في المذاهب الأخلاقية، أساسها المذهب القوريني، وهم أقرب إلى السقراطية من أرسطوطاليس.
Page inconnue
وما كان أرسطبس أول فيلسوف أساءت إليه الأقدار، وما كان أول إنسان ظلم حيا وميتا.
أصول الفلسفة اليونانية ومذهب اللذة والألم
تترامى الأشعة التي بعث بها الفكر اليوناني القديم من أغوار الماضي السحيق سنية وضاحة، فتضيء الظلمات التي ناءت بكلكلها على المدنيات المختلفة منذ القرن الخامس قبل الميلاد حتى اليوم، ولا جرم أنك لن تقع على شيء تحت الشمس لا يمت إلى الفكر اليوناني بسبب، كما يقول العلامة جلبرت مري الإنجليزي؛ فكان من أثر ذلك أن تطرف البعض من مقدمي المفكرين في العصر الحديث، إلى القول بأن الفلسفة اليونانية، بل وكل الآثار التي صدرت عن الفكر اليوناني «أصيلة» غير مدخولة بعناصر غريبة من الفلسفة أو العقيدة أو الفكر، وأنها لم تلقح بأي أثر من الآثار التي نشأت قبل مدنية اليونان في الشرق.
ولا شك في أن الذين يذهبون هذا المذهب لهم المبررات التي تؤيد نزعتهم، ولهم الأسباب التي يرتكزون عليها في الحكم بأن الفكر اليوناني «أصيل» نشأ في عقول الإغريق القدماء، وعنها صدر من غير أن يكون للحضارات الأخر أثر فيه قليل أم كثير.
فإن العظمة التي نشهدها في أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطوطاليس وأرسطبس وديمقريطس وأبيقور، دع عنك فيثاغورس وطاليس وأبقراط وجالينوس، لعظمة تفوق كل ما تقدمها من صور النبل الإنساني، إن لم نقل إنها تفوق كل ما عقبها حتى اليوم، مع قياس الفارق بينهم - وهم رواد الفكر - وبين المحدثين - ورثة هؤلاء الرواد العظام - والفاصل لا يقل عن خمسة وعشرين قرنا من الزمان.
ولك أن تقدر بعض الآثار التي ظهرت خلال تلك القرون؛ بأن تعي أن الإنسانية شهدت فيها نشوء النصرانية والإسلام، وشهدت نشوء ما لا يحصى من مذاهب الفلسفة والعلم والأخلاق، فلم تفلت ناحية من هذه النواحي من التأثر بمبتكرات الفكر اليوناني، تأثرا عميقا بالغ المدى. فلا عجب إذن أن يكون لهذه العظمة أثرها في المغالاة التي نقع عليها في تقدير بعض الكتاب آثار اليونان، تقديرا ينفون به كل علاقة فكرية تربطهم بالحضارات الأخر.
ومهما يكن من أمر اليونان وتأثرهم أو عدم تأثرهم بما سبقهم من منتوج الفكر البشري، فإن الأمر الذي لا نشك فيه أقل شك أن أثر اليونان فيما تبعهم من المدنيات بالغ أقصى المدى؛ في حين أن تأثرهم بما سبقهم من المدنيات تافه قليل .
ومن هنا نستطيع أن نقول بغير حرج: إنهم بحق رواد الفكر الإنساني والمعرفة على اختلاف صورها، وعلى تباين ملابساتها.
فالمدنية اليونانية أرقى المدنيات القديمة، هذا إلى أنها خلاصة ما وصل إليه التثقيف العقلي في الأعصر القديمة.
أما تأثر اليونان بما سبقهم من الحضارات فإن ثقات المؤلفين قد اختلفت فيه مذاهبهم وتدابرت آراؤهم، غير أن كفة القائلين بأن الفكر اليوناني قد اغتذى وكسب من غيره، ترجح كفة القائلين بأن الفكر اليوناني «أصيل» نشأ في ثرى اليونان، وتكيف في ثنايا العقل اليوناني، غير مدخول بأي لقاح خارجي أو وراثة أجنبية.
Page inconnue
فالعلامة «ميير
Meyer » الألماني على أن المدنية اليونانية لم تبدأ في الارتقاء الحقيقي إلا بعد أن احتكت بالشرق في «إيوليا
Aeolia » و«إيونيا
Ionia » في آسيا الصغرى، حيث كان في تلك البقاع مدنية أرقى من مدنية الإغريق.
ويقول العلامة «دنكر
Dunker »: «لم يبق من شيء في مدنية اليونان لم يتأثر من اتصالهم بمدنيات آسيا الصغرى حتى دينهم، فإنه على الرغم من أنه يكاد يكون خاصا باليونان، ونشأته ذاتية بينهم، فإنه تأثر بأديان الشرق، واقتبس الكثير من أصولها ومعتقداتها.»
أما الأستاذ «روبرتسون
Robertson » فيقول في كتابه «تاريخ حرية الفكر» (ج1 ص121): «إننا مهما قلبنا وجوه الرأي، وأمعنا في البحث، فإنا لا نعثر على مدنية يونانية أصيلة؛ أي مدنية ليس فيها أثر من مدنيات أخر.»
ثم يقول في نفس الكتاب ص122: «إن الإعجاب الشديد باليونانيين، قد حمل كثيرا من الباحثين وأصحاب الرأي إلى أن ينكروا حقيقة تأثر المدنية اليونانية بمدنيات الشرق القديمة، حتى إنهم لم يكتفوا بإنكار ذلك الأثر، بل تطرقوا إلى القول بأن الفكر اليوناني وليد بلاد اليونان، تأصل فيها ونشأ، غير متأثر بشيء مما سبقه من منتوجات الفكر الإنساني وجهوده.»
ذلك في حين أن الذين ينكرون تأثر المدنية اليونانية بغيرها، ثقات من الباحثين أمثال العلامة «ريتر
Page inconnue
Ritter » الألماني في كتابه «تاريخ الفلسفة القديمة»، والفيلسوف «رينان
Renan » الفرنسي في كتابه «تاريخ الأديان»، والعلامة «زلر
Zeller » في كتابه «تاريخ الفلسفة اليونانية» وهم يجمعون - كما يتبعهم غيرهم من الكتاب - على القول باستقلال الثقافة اليونانية عن غيرها من ضروب الثقافات الإنسانية.
ولا نريد أن نستطرد إلى سرد البراهين التي يقيمون عليها مذهبهم، فإنها ترتكز على نظريات، تتسع للجدل والنقاش.
ذلك في حين أن اتصال تيار الفكر، ونشوء الحضارة اليونانية في حوض البحر المتوسط، مهد كل الحضارات القديمة، والعلاقات التجارية التي كانت قائمة بين كل الشعوب التي نشأت شرقية، تزودنا بمرجحات قوية نميل معها إلى القول بأن الحضارة اليونانية، نشأت متطورة عن مدنيات أخر.
هذا ما يؤيده الأستاذ روبرتسون في كتابه الذي أشرنا إليه آنفا إذ يقول في ص122: «إن التعصب لبعض الصفات التي تتصف بها الأمم، والافتتان بما لبعض الشعوب من نبوغ وعبقرية، أمران ساقا بعض الكتاب، وفئة من كبار الباحثين، إلى الأخذ بآراء هي إلى ناحية الرجم بالغيب، أقرب منها إلى مناهج العلم اليقيني.
على أنه من أقرب الأشياء إلى الحق، أنك إذا رأيت أمة في التاريخ أخذت تضرب بسهم في مدارج الارتقاء الفكري والفنون، وبقية مطلوبات الحياة ومستحدثاتها وضروراتها، وأنها بدأت تخطو في سبيل ذلك خطوات سريعة ثابتة، حكمت بأن تقدمها على هذا النمط، إنما يرجع إلى ما أحدثه احتكاكها بأمم أجنبية عنها، من الانعكاس الذي يظهر أثره في صفاتها ومشاعرها ومتجهاتها.
انظر في المدنيات الأولى كمدنية آشور، أو حضارات بابل والكلدان ومصر، فإنك تجد أن ارتقاءها المدني كان بطيئا، واستجماعها لأسباب الرقي والتثقيف العقلي كان أبطأ، وذلك يدل على أن سرعة الارتقاء المدني يرجع إلى ما يؤثر في الأمم ذوات المدنيات المستحدثة الثابتة القوية في عصر ما من المنبهات التي تستمد من معارف الأمم الأجنبية عنها، وفكراتها وطرق تثقيفها عامة.»
ثم يقول: «أما تفوق اليونان في عصور مدنيتهم القديمة المعروفة في التاريخ، فلا يرجع - على ما تقدم - إلى نبوغهم وتفوقهم الذاتي تفوقا خارقا للعادة - كما يدعي كثير من الباحثين - بل يرجع - استنتاجا وعقلا - إلى ما طرأ على صفاتهم المدنية من نشوء وتطور، كان سببه اختلاطهم بغيرهم من الشعوب المجاورة لهم حينا، ومن طريق ما وضعوه من النظم الاجتماعية حينا آخر، ناهيك بموقع بلادهم الجغرافي وتخطيط أرضهم في الداخل تخطيطا أوسع بين المدن المختلفة سبيل المنافسة، خلا ما تؤدي إليه المنافسة من رقي في الصفات المدنية، التي ترتكز عليها قواعد العمران.»
ثم يقول: «إن البحوث التاريخية تدل على أن اليونانيين القدماء في فجر مدنيتهم كانوا خليطا من قبائل شتى، وزاد اختلاطهم على مدى الأيام، كما أن معارفهم وعلومهم ترجع - أول الأمر - إلى سكان تراقيا
Page inconnue
Throce
وهم ليسوا إغريقا، وكانوا يعبدون إله الشعر.»
ونقل الأستاذ روبرتسون عن القدماء أقوالا تاريخية تؤيد مذهبه، فنقل عن هيرودتس أن أصل اليونان قبيلة حربية ذات نفوذ واحترام عظيمين، فتبعها كثير من القبائل الأخر التي كانت آخذة بتقاليدهم، وصرفت على نفسها اسم القبيلة «اليونان».
ونقل عنه أيضا: «إن الإسپرطيين يونان وأن الإثينيين «بلاسجة
» ولكنهم مع الزمن اصطبغوا بصبغة اليونان وتعلموا لغتهم.»
ونقل عن تيوسديدس قوله: «غير ميسور أن نعثر في العصر التاريخي على شعب يوناني أصيل لم تجر في عروقه دماء دخيلة من قبائل أخر.» ويتخذ الأستاذ روبرتسون هذه الأقوال دليلا كافيا لإثبات أن الحضارة اليونانية قد تطورت باللقاح السلالي، وأنها لم تنشأ غير متأثرة بغيرها من الحضارات القريبة منها أو البعيدة عنها.
أما علاقة اليونان بغيرهم من الأمم المتحضرة - وبخاصة مصر القديمة - فإن الأستاذ ألبير فور الفرنسي قد أبان عنها في تقرير علمي مسهب ننقله بحروفه لنفاسته، قال الأستاذ فور:
1 «إذا غرست التقاليد أصول فكرة من الفكرات سواء أكانت عقلية أم فنية أم أخلاقية أم من أي ضرب آخر من ضروب الثقافة والمعرفة، ثم درجت عليها الأجيال المتعاقبة، فإنها لا تمحص ولا تختبر، بل ولا تعرض على محك النقد لتبلو نصيبها من الصحة والخطأ، ذلك بأن تقريرها في الأذهان يدخلها في حظيرة النحل المقدسة، ويرفعها إلى مرتبة العقدة الثابتة التي يعد بحثها تدنيسا لقداستها، وتهجما على حرمتها.» «من هذا أن كثيرا من مشهوري العلماء والفلاسفة ونابهي الكتاب والمفكرين قد أخذوا بأفكار في نشأة الحضارة اليونانية، بطلانها من الوضوح والجلاء بحيث يمكن أن تدركه عقول أقل من عقولهم هبة وملكة واستعدادا.» «فقد قيل : «إن الحضارة اليونانية - أم الحضارة الغربية - ليست مدينة بشيء إلا لنفسها.» فردد هذا القول كتاب اتفقوا في الفكرة، وإن اختلفوا في طريقة التعبير عنها، ورموا جميعا إلى إثبات أنه في تلك البقعة الفريدة الممتازة، استقى شعب مختار من شعوب البشر كل غرائب الفن، ومدهشات العلم، وروائع الأدب والفلسفة، مستمدا أصولها من ذات نفسه ومن أعماق وجدانه.» «والغرض من هذا البحث إثبات ما ينفي ذلك، وإظهار أن اليونان - وبخاصة في الفلسفة - قد استقوا معلوماتهم - إلى حد ما - من مصر القديمة.» «على أن الإحاطة الوافية بما يمكننا من إثبات ذلك إثباتا كاملا أمر عسير، ذلك بأن هذه المسألة لن تحل عقدتها اليوم، ولكن رسم القاعدة التي ينبغي علينا أن نتبعها، وشرح طرقها أمر لا يخلو من فائدة، ولا ريب في أن عملنا يثمر ويؤتي أكله، إذا استطعنا أن نجلب حجرا واحدا نضعه في أساس البناء الذي سيتمه غيرنا في الأيام المقبلة، بعد أن يضرب علم العاديات المصرية بقدم ثابتة في سبيل التقدم الذي يحق لنا أن نغتبط بتباشيره، معتقدين أننا سوف نبلغ فيه شأو الكمال، قياسا على ما أتم العلماء الذين ترسموا خطوات شمبوليون، ومن تقدمه من البحاث المنقبين من الأعمال الباهرة إلى يومنا هذا.» «عملت على نشوء الحضارة ثلاثة شعوب ممتازة بمقدرتها الابتكارية؛ هم: المصريون والكلدان وأسلاف اليونان، ومنهم استمدت الثقافة اليونانية عناصرها، ولقد كان لمصر في العمل الذي تكاتفت عليه هذه الشعوب الثلاث أثر رئيس، فإنها كانت في طليعة الأمم جميعا من حيث التأثير في أسلاف اليونانيين، أولئك الذين ورثهم (الأيونيون) وأغارقة العصر الأول، ولقد دلت الإحاثة في جزيرة كريت - إقريطش - وفي جزر (الفلوپونيز) وفي آسيا الصغرى من حول مدينة (طروادة) على حضارات ربت ونمت في خلال الألفين الثاني والثالث قبل الميلاد، حضارات اتسمت بسمات عامة مشتركة فيها دلائل على تأثير شرقي بقدر ما، ومثلها أوجه من الشبه كبيرة في آثار من منشآت الفن المسيني، وضروب من الفن المصري سواء أفي الزخرف الصناعي أم الفني.» «وهناك دليل قاطع على وجود علاقات بين سكان اليونان وبين المصريين، حتى لو آثرنا أن نعتبر الفن المسيني هو المؤثر في الفن المصري لا العكس. وقصر إكنوزوس الذي اكتشفه مستر إيفنز في جزيرة (إقريطش) يرجح أنه قد بني على مثال الفن المصري، وطبقا لقواعد البناء والعمارة المصرية، ولا بد أن هذا القصر قد شيد بين سنة 2500 وسنة 1800 قبل الميلاد، ومن المحتمل أن يكون بين سنة 2200 وسنة 2000، وهذا يدل على أن العلاقات بين اليونان، أو على الأقل بين أسلافهم، وبين المصريين كانت موغلة في القدم، ولكننا سنقول إن القصر بني قبل ذلك؛ أي حوالي سنة 1200 أو سنة 1300 قبل الميلاد.» «ولكن المحقق أنه شيد بين سنتي 1000 و1400؛ أي خلال الحرب الطروادية أو قبل نشوبها، ومن هنا نرى أن أهل آسيا كانوا متحالفين تجاه مصر، وكان هذا التحالف مكونا من التكرين والدانيين والترهينيين وغيرهم. ولقد أكد بحاث أن الملحمة التي نظمت في التغني بانتصار الفرعون رمسيس الثاني - سيزوستريس - من ملوك الأسرة التاسعة عشرة على أهل سوريا، كانت الأصل الذي أوحى إلى هوميروس نظم الإلياذة، ولا مسوغ للشك في أنها أثارت ضجة بداءة - وكما هو طبيعي - في مصر نفسها، إذ إن أصلها قد حفر كله أو بعضه في معابد كثيرة، زد إلى هذا أن الآسيويين الذين احتكوا بحضارة النيل في الحرب أو التجارة أو المعاهدات، قد حملوا - من غير شك - صداها إلى أسماع اليونان، الذين كانوا في بدء الدخول في دورهم التاريخي، ولكن استنتاجنا من ذلك أن الملحمة المصرية قد أثرت ضرورة في نظم الإلياذة؛ أمر غير مقطوع به، وأي تأثير لمصر في اليونان من هذه الناحية عرضة للشك والظنون، وإذن يكون من العبث محاولة بحثه هنا.» «ولكن إذا تأملنا في التشابه الكلي بين تمثال «أبولون
Apollo » الذي عثر عليه بالقرب من قورنثية وبين التماثيل المصرية للدول القديمة، نترك الفروض وندلف إلى الحقائق، ونقرر الآن أنه لما كان الأسلوب التقليدي هو الطراز الذي كان سائدا في العصور المتأخرة من تاريخ مصر، ولما كان الفنانون يقلدون الآيات الفنية التي جاء بها أسلافهم سنحت الفرصة لليونان لتقليد النماذج المصرية من كل عهد ومن كل مذهب فني، حتى قبل أن يرخص لهم الفرعون إپزاماتيك بالدخول في وادي النيل. ومما هو أشد إثارة للدهشة؛ التشابه بين التماثيل الجالسة التي تملأ جانبي الطريق المقدس الموصل إلى معبد رديميان أبولون في مليطس وبين التماثيل الجالسة في مصر، والتي يرجع عهد بعضها إلى أبعد العصور، وتماثيل مليطس أيديها موضوعة على الركب وسيقانها متلاصقة مثل التماثيل المصرية، ويمكن للإنسان أن يلحظ هذه المشابهة بسهولة إذا قارنها بتماثيل ممنون التي أقامها أمنوفيس الثالث من الأسرة الثامنة عشرة، وهي متقدمة على النماذج اليونانية بقرون عديدة، ربما قاربت ثمانية قرون. ومثل هذه النماذج إنما تدلنا على أن الحضارة اليونانية المبكرة أو حضارة أسلاف اليونان والحضارة «الأيونية» المستنيرة قد تأثرتا بالحضارة المصرية.» «وبفضل شمبوليون وحله للرموز الهيروغليفية، وبفضل عمل العلماء الذين جاءوا من بعده وصرفوا جهودهم لرد مصر القديمة إلى الحياة، أصبحنا اليوم في موقف يمكننا من تكوين فكرة في الأصول المنقوشة على الحجر أو المكتوبة على ورق البردي، وقد تألفت مجموعة وافرة من المخطوطات من كل نوع بفضل جهود علماء العاديات المصرية الذين زادوا إلى ثروة العلم باكتشافاتهم وبإصلاحهم أخطاء عديدة عن حضارة مصر، كانت قد حازت الثقة من قبل. وللأسف إن هذه المخطوطات - على كثرتها - ليست في الحقيقة غير جزء قليل من الكتب الكثيرة التي كانت مكدسة في المكاتب وفي معابد الفراعنة. ولذا لا تزال عملية سد الثغرات باقية، وهذا هو سبب اختلاف المؤرخين، وتفرقهم شيعا وأحزابا في تفسير ديانة مصر القديمة، ونحن مرغمون على الرجوع إلى المخطوطات التي بين أيدينا وتحت تصرفنا، ومضطرون إلى أن نستنبط منها النتائج التي تعتبر بالنسبة إلى حالتنا العلمية محتملة، إن لم تكن باتة نهائية. وعلى أقل تقدير، يمكن أن يكون في مستطاعنا إعطاء فكرة حقيقية عن الحياة العقلية والأخلاقية لمصر في ألف السنة الأولى قبل الميلاد، وبخاصة في القرنين السابع والسادس؛ أي في الوقت الذي تأكدت فيه العلاقات بين مصر واليونان. وسنرسم الآن صورة عامة لتلك الحضارة الزاهرة، ولكن قبل الإقدام على ذلك سنختبر كيف حظي اليونان بالوصول إلى وادي النيل.» «حوالي سنة 650 قبل الميلاد - ولأسباب سياسية لا تعنينا هنا - دعا الفرعون إپزاماتيك الأول - مؤسس الأسرة السادسة والعشرين - اليونان من آسيا الصغرى لنصرته، ومن ذلك الوقت إلى ما بعده، وفي ظل رعاية هذا الملك وخلفائه؛ أعطيت لهم إقطاعات خاصة عند مصب النيل.» «وفي القرن السادس ق.م اشتهر الفرعون أمازيس بسياسة العطف على الهلينيين
Hellenistics
Page inconnue
وقد خصص لهم إقليما لاستعمارهم، ابتنوا فيه مدينة يونانية كاملة اسمها نقراطيس وألقوا برحالهم أيضا في بلاد مصرية مختلفة، مثل: ممفيس وعبيدوس، وفي الواحات الكبيرة، وهكذا انتشرت في مصر طوائف وأشتات من اليونانيين مختلفة الأصول والسلالات منهم الإغريق والأيونيون والكاريون، ويونان من آسيا الصغرى، ويونان من الجزر ومن «قورينة
Cyrene » بشمال أفريقية غربا.» «ومن أسباب هذا الذيوع والتكاثر قوة الخصب ورطوبة الثرى، ورخاء الحياة وسلاستها، ولم تكن أسباب هذه الرفاهة مقصورة على ليونة العيش وغزارة الموارد المادية وحدها، بل ترجع أيضا إلى خلق السكان الهادئ الوديع المشبع بالحضارة السامية، والذي صقله التمدين الراقي، حتى لقد قال المسيو ملهود: «إنها لحقيقة ذات بال أن العلم والحضارة اليونانيين، لم ينتعشا إلا بعد تلك الهجرة».» «وفي ذلك الوقت كانت الحضارة المصرية فتنة الناظرين، وعجب السائحين، ورغم الانحطاط والتدهور السياسي الذي استمر عدة قرون، والذي بدت أعراضه في كل ميدان من ميادين العمل - ولو أنه قد غولي في تقديره - فإن تسلم الأسرة السادسة والعشرين عرش مصر، كان بداءة عودة الحياة إلى الفن، ودليلا على أن العلم والأدب قد نهضا نهضة بعثت عهد الفراعنة السابقين الزاهر، من رموس الماضي.» «كانت التصورات الأخلاقية الراقية قد ملكت نفسية المجتمع، وكانت منبثة في مجموعة منظمة من القوانين المدنية والجنائية، قد بهر تنسيقها وحسن نظامها القدماء. والفصل الخامس بعد العشرين من «سفر الموتى» وهو الذي يشمل تزكية الروح، والمسمى بالاعتراف السلبي أمام محكمة أوزيريس يكشف لنا عن خلاصة الآداب المصرية، ويرينا سمو مشاعرهم الأخلاقية، ورفعتها وتساميها.» «ولأسباب معقولة قورن هذا الاعتراف السلبي بالوصايا العشر عند العبرانيين، ونجد من المؤلفين القدماء الذين وصلت إلينا كتبهم على مهابط السنين - وبخاصة هيرودوتس وديوذورس - برهانا على أن هذه الشريعة الأخلاقية، كانت مستمدة من القوانين والشرائع المصرية، أما ديوذورس فيحاول أن يحملنا على الاعتقاد بأن «صولون
Solon » قد استعار بعض قوانينه من المصريين، وهذا محتمل إلى حد كبير قياسا على تفوق مصر على جيرانها تفوقا كبيرا، وعلى التأثير الذي لا يدفع والذي لم تكن مصر لتضعف عن تسليطه على قوم في زهرة شبابهم، متلهفين إلى العلم ولهم مواهب سامية، ولم يكونوا بعد قد أطلقوا العنان لقوتهم الإبداعية، وكانت عبقريتهم الغريبة الباهرة، ستتفتح عنها الأكمام، بعد صولون بقرن واحد.» «وقبل ظهور اليونان في التاريخ الحقيقي كان المصريون هم الذين أوجدوا أكمل حضارة وأفتن وأزهر مدنية، وكان التعليم منتشرا في مصر انتشارا واسعا، وعدا طبقة الكهنة الذين كان لهم احتكار العلوم والآداب، كان هناك عدد عظيم من كتاب الدواوين ورجال الحكومة، يمثل العنصر المثقف من السكان. وكان لكل مدينة عظيمة مدرسة واحدة، أو عدة مدارس متصلة بالمعابد، ويتكون منها كليات دينية حقيقية، وتدل التقاليد على أن أعظم علماء اليونان وأفحل فلاسفتها كانوا يترددون على هذه المدن العظيمة. وكانت أكثر المدن روادا وقصادا سايس وبابسطس وتنيس وهليوبوليس وعيدوس وطيبة، وكانت كلية هليوبوليس الكهنوتية طائرة الصيت، وكان يؤمها اليونانيون ويعتبرون وفودهم عليها جزءا من برنامجهم التعليمي. وفي عهد الأسرة السادسة والعشرين - أي من وقت تولي إپزاماتيك الأول إلى وفاة أهمس واستيلاء الفرس على مصر؛ أي من سنة 650 إلى سنة 525 قبل الميلاد - كان يمكن لليونان أن يؤموا وادي النيل، ويعيشوا فيه في أحوال مواتية لا تقطعهم عن الدرس والمطالعة ومذاكرة المعارف، وفوق ذلك، فإنه لم يحدث تحت سيطرة الفرس ما يعوق السائحين والمؤرخين والسياسيين عن السفر والتنقل خلال الديار المصرية، يدرسون عاداتها وفنونها ومعتقداتها الدينية، ولقد يعطينا المؤرخ هيرودوتس مثلا من ذلك فيما كتب.» «لقد أظهرنا إمكان وجود العلاقات العقلية بين مصر واليونان، والآن سنختبر طبيعة هذه العلاقات، وليست المسألة مسألة إثبات وراثة فلاسفة اليونان المبكرين المباشرة للأفكار والتصورات المصرية، فهذا شيء عسير يصعب أن نحلم بتحقيقه في حالتنا العلمية الحاضرة. والأمر هنا يدور حول إثبات أن الفكر المصري ينبغي أن يكون قد أثر بعض التأثير في الفكر اليوناني، ومن ناحية أخرى نرى أنه من الضروري تجنب الخطأ المضاد لذلك، وهو إنكار أية علاقة لمملكة ما بالممالك الأخرى التي تجاورها، حتى بالممالك البعيدة عنها وبخاصة إذا كانت الأخيرة مباءة للأدب والفن والعلم.» «أخذ اليونان أفكارهم عن يوم الحساب بعض الشيء عن المصريين، ومن أجل ذلك كانوا - كالمصريين - يعتقدون بوجود روح مجنحة خالدة، وكانت الروح تمثل على الآثار المصرية وفي المقابر بصورة طائر ذي رأس بشري، ويلزم أن يكون اليونان قد أخذوا صورة الجنة من مملكة الموت، التي كان يحكم فيها أوزيريس.» «ولا مجال لنكران المشابهة والتقارب في الجرس بين كثير من الكلمات المصرية وبين عدد عديد من الكلمات اليونانية التي تدل على معنى واحد، وفضلا عن ذلك فإن القني والنيل - تلك التي تصور المصريون وجودهما في العالم الآخر، على مثال النيل الحقيقي وقنيه الأرضية - اتخذها اليونان نماذج لأنهر العالم السفلي ومجاريه وقنيه، ومن الصعب أن نشك في الأصل المصري لكلمة “Rhudamanthu”
فهي مأخوذة أصلا من الجملة المصرية “Ra-in-amenti”
وهو رع إله الشمس في “Amenti”
وهي الحياة المقبلة. وكلمة “Charon”
للملاح في العالم السفلي مأخوذة من الكلمة المصرية “Karon”
ومعناها زورق أونوتي، وقد أوحت فكرة محاسبة الموتى أمام محكمة أوزيريس إلى اليونان أفكارا مشابهة لها. والزخرف على ترس آخيل مستمد من التماثيل النصفية المصرية، وقد صبغت أساطير يونانية كثيرة بعناصر مجلوبة من مصر؛ مثل أسطورة هيرقل فإن الأصل المصري ظاهر فيها، ومثل أسطورة أطلس حامل الدنيا برمتها على منكبه، وهي فكرة تضرب جذورها في أصول أشهر الخرافات المصرية.» «وكان اليونانيون وهم يطوفون بالمدن المصرية يجعلون الآثار والمعابد قيد عيونهم ومرمى أبصارهم، وكانت هذه المشاهد جل ما يحتاجون إليه، لتدريب خيالهم اليقظ الوثاب القدير على التصور. وإذا انتقلنا من الأساطير والاعتقادات الدينية إلى الأفكار الأكثر استغراقا في الفلسفة ، نجد أثر التأثير المصري في اليونان، ففكرة العدالة العالية التي نراها في هسيود فكرة مصرية بحتة، وتاميز اليونانية هي «ما» المصرية إلهة الحق والعدل، ويتمثل في شخصها القانون الأخلاقي، والسنن المرعية في المجتمع، ويعنو لهيبتها الفرعون نفسه، كذلك تتجه أفكارنا نحو مصر كلما قرأنا في هسيود تقديره حياة العمل والجهاد، والسير في منهاج الفضيلة، وكذلك عندما ينصح لنا بالسعي الحر الجريء.» •••
هذا جوهر ما يراه الأستاذ فور من حيث علاقة حضارة اليونان بمصر خاصة، وما جاورها من الحضارات الأخرى عامة.
على أن لنا أن نذهب في رأي الأستاذ فور وما يماثله من الآراء كل مذهب، ولنا أن نقول بأن اليونان اقتبسوا من المصريين شرائع ومبادئ علمية في علمي العدد والهندسة، وأنهم انتحلوا مذاهب دينية أو ميثولوجية أو فنية، وأنهم نحتوا وصوروا على مثال الفن الفرعوني القديم، لنا في مثل هذا أن نقول إنهم اقتبسوا شيئا من مصر أو أشياء من مختلف الحضارات الأخر، فإن باب البحث في ذلك واسع وميدان التنقيب فسيح.
Page inconnue
أما في فروع الفلسفة فباب البحث ضيق، وميدان المقارنة والاستنتاج غير فسيح، ولك أن تنظر من ناحية واحدة في الطابع الذي اصطبغت به الفلسفة اليونانية، والطابع الذي ظهر جليا في آراء المصريين أو غيرهم من الأمم القديمة، التي يجوز أن نقول إن اليونان قد اقتبسوا من آرائهم الكونية لترى أن الفلسفة اليونانية كانت منذ نشأتها الأولى بعد أن اجتاز اليونان الدور الميثولوجي؛ ربيبة المدارس الزمنية، في حين أن كل فكرة نشأت في مصر وغيرها من الأمم ذوات الحضارات القديمة، وكانت تمت إلى الفلسفة بسبب إنما ترجع إلى أصل ديني نشأ بين جدران المعابد والهياكل، وحوطت بسياج من النزعة الدينية أفقدها الروح الفلسفي؛ أي روح التحرر من التقليد والمذهبية.
أما بدايات الفلسفة اليونانية، بعد أن ألقحت حضارة اليونان بهذه العناصر الأجنبية فلها وجوه أخرى، نمضي في ذكرها باختصار، لنعطي القارئ صورة موجزة منها.
أن أول حقيقة تصادفنا عند البحث في بدايات الفلسفة اليونانية، أنها نشأت في المستعمرات الأيونية
Ionian
في آسيا الصغرى، لهذا نجد أن الفلسفة اليونانية لم تخلص في كل أدوار نشوئها وتطورها من الصبغة الشرقية، التي تظهر في كثير من نواحيها، سواء أفي الشكل أم في الموضوع، وسواء أبلغ هذا الأثر من الرجحان والوزن الدرجة التي يذهب إليها بعض المؤلفين أمثال «روث
Roth » و«غلاديش
Gladiech » أم كان غير ذي أثر كبير كما يقول «زلر
Zeller » وغيره من الذين ألفوا في تاريخ المذاهب، فإن المحقق عند «ترنر
Turner » أن الفلسفة اليونانية قد اختصت منذ البداية بروح كانت في طبيعتها هلينية
Hellenistic
Page inconnue
لهذا نجد أن اليونان قد نظروا في الكون عند أول تأملهم في الكونيات بعين لم تغش عليها المجازات ولا الأساطير.
أما الفرق بين فلسفة الشرق، والبدايات الفلسفية الأولى في بلاد اليونان كما وضعها فلاسفة الطبيعة في إيونيا فعظيم، كالفرق بين غابات الهند القديمة التي نشأت في ظلالها صور الفلسفة الشرقية القديمة، وبين شواطئ البحر المتوسط الزاهية العليلة الهواء.
على أن الدين عند اليونان لم يؤثر في الفلسفة إلا من طريق غير مباشر، ذلك بأن العقائد الدارجة كانت من البساطة بحيث تعجز تأملاتها وتصوراتها وأخيلتها عن أن تؤثر في عقل الفيلسوف تأثيرا يثبت فيه على الزمان، ومن هنا كان الأثر الذي خلفته العقائد في بلاد اليونان منابذا في طبيعته للفلسفة.
ولكنك على الرغم من هذا تجد أن العقائد الدارجة قد استطاعت أن تحتفظ في العقل اليوناني ببضعة تصورات، ظلت حية فيه، ومن هذه التصورات تخيل «الصورة» والإحساس بالتناسق، وكان هذا باعثا من أقوى البواعث التي تضع الفيلسوف، الذي يريد أن ينظر في حقائق الأشياء كما هي كائنة؛ موضعا يتعذر عليه فيه أن يستقل بنظره الفلسفي تماما أو أن يفسق كلية عن هذه التصورات، ولا يجعل لها من عقله وتأملاته نصيبا.
ومن هذه السبيل وحدها استطاعت الديانة اليونانية أن تولد في التأمل الفلسفي رغبة ملحة تدفعه إلى النظر الكلي؛ أي في الكليات، وكانت تلك الرغبة في عصور التأمل عند اليونان عضدا قويا، ساعد الفلسفة اليونانية على أن تبلغ قمتها العليا وأن تصل إلى غايتها القصوى.
على أن الدين اليوناني استطاع من ناحية واحدة أن يغذي الفلسفة اليونانية من طريق مباشر؛ إذ أمدها بفكرة «الخلود» وهي عقيدة احتفظت خلال كل التطورات الفلسفية التي تناوبت عليها بأصلها اللاهوتي. فإن أفلاطون مثلا يشير إلى أنها فكرة ترجع إلى الأسرار الأورفية
Orphic
وهي أسرار امتزجت فيها التأملات بالعقائد.
كذلك وجدت الفلسفة اليونانية في الشعر - كما وجدت في العقائد الدينية - أداة للتعبير عن طبيعتها، فإن التأمل الفلسفي في أدق معانيه، قد سبقه في الوجود محاولة «التصور» أن «يصور» لذاته أصل الكون ونشوئه، والدليل على هذا أن هوميروس قد صور في أشعاره أمثالا من الشخصيات الأخلاقية؛ فإن آخيل يمثل الخلق الثابت الذي لا يقهر، وهكتور يمثل الشجاعة والفروسة، وأغاممنون يمثل الهيبة الملكية، ونسطور يمثل الخلق الهادئ الرصين، وأولسيز يمثل الخلق الحريص اليقظ، وفنلوب يمثل خلق الأمانة والولاء الكامل، وهكذا.
أما «هسيودس
Page inconnue
Hesiod » فقد حاول لأول مرة في تاريخ اليونان أن يكون فكرة بدائية في نظام الكون، على أن كونياته قد لبست ثوب الثيوغونية
Theogony
ويقصد بها البحث في نشأة الآلهة عند الأقدمين، ومن هنا كان السبب الذي صرفه عن الكلام في نشوء الأشياء بالعلل الطبيعية.
فإذا انتقلنا إلى الكونيات الأورفية
Orphic cosmogony
ألفينا أنها اتخذت من أقوال هسيودس الثيوغونية أساسا تقوم عليه، والدليل الثابت على صحة هذا القول أنها لم تتقدم خطوة واحدة بعد هسيودس، هذا إذا جارينا الكثيرين من أعلام الباحثين في العصر الحديث، ولم ننسب إلى الأورفية تلك المذاهب الكونية التي يعتقد هؤلاء الأعلام اعتقادا جازما بأنها ترجع إلى عصر بعد عصر أرسطوطاليس.
أما «فريقيذيس الصوروسي
» (حوالي سنة 540ق.م) فقد سما بالطريقة العلمية إلى سمت آخر لم يبلغه الذين تقدموه، فإنه يقول إن «زيوس
Zeus » و«إخرونوس
Chronos » و«إخثون
Page inconnue
Chthon » هم بداية كل الأشياء، وهذه الفكرة البسيطة هي الأصل الأول الذي صدرت عنه فكرة نشوء الأشياء من العناصر مع الزمان.
ولقد أخفى الشاعر هذه الفكرة وراء رموز وإشارات، فعزى ظاهرات الطبيعة إلى الآلهة لا إلى عوامل طبيعية، منتحيا طريقة لا يسلم بها العقل، وإن أمكن تخيلها تخيلا.
فإذا نظرنا بعد ذلك في بدايات الفلسفة الأدبية، وقعنا عليها في الشروح التي علق بها على أشعار هوميروس وفيما خلف الشعراء الغنوميون
Gnomic Poets
أي «شعراء الحكمة» الذين ظهروا في القرن السادس قبل الميلاد، وبخاصة في الأقول المنسوبة إلى الحكماء السبعة
Septem Sapientis
على الرغم من أن هذه الأقول قد اصطبغت بصبغة «كلبية»،
2
وتروى من تجاريب الحياة ما يدعو إلى الإعجاب الشديد، هذا إذا صح أن هذه الأقوال قد كتبت حقيقة في ذلك العصر البعيد، ذلك بأن كثيرا من البحثة المجربين يشكون في نسبتها إلى العصر الذي تنسب إليه.
على هذا كانت الفلسفة اليونانية في بدايتها، أما الأدوار التي قطعتها بعد ذلك فتنقسم في الغالب ثلاثة عصور:
Page inconnue
الأول:
الفلسفة قبل سقراط.
الثاني:
سقراط والمدارس السقراطية.
الثالث:
الفلسفة بعد أرسطوطاليس.
ففي العصر الأول شغلت الفلسفة بدرس الطبيعة، وأصل الكون فكانت في ذلك عند حد قول المحدثين فلسفة موضوعية
Objective Philosophy .
وفي العصر الثاني رد سقراط الفلسفة إلى مجرد تأمل
Contemplation
Page inconnue
أو بالأحرى مجرد نظر في حياة الإنسان الباطنة أو النفس الإنسانية، وهو عصر امتزجت فيه الناحية الموضوعية
Objective
بالناحية الذاتية
Subjective .
أما في العصر الثالث فقد تسودت على الفلسفة النزعة الذاتية دون الموضوعية، فإن الرواقيين
Stoics
والأبيقوريين
Epicureans
قد شغلوا بالإنسان ومصيره، حتى لقد ضحوا في سبيل ذلك بكل اعتبار للكونيات والغيبيات
Metaphysics .
Page inconnue
والقورينيون الذين نخصهم بالبحث في هذا الكتاب، شعبة من المذهب السقراطي، وبذلك يكون مذهبهم تابعا لمذاهب العصر الثاني من عصور الفلسفة اليونانية، ومؤسس هذا المذهب أرسطبس القوريني، من تلاميذ سقراط، ومن أقران أفلاطون، ومن معاصري أرسطوطاليس المعلم الأول، وأما مذهبه الأخلاقي فثابت من حيث الجوهر ولا نزاع فيه، مثله كمثل التطور من حيث إن التطور أساس لنشوء الصور الحية، ولكن التفاصيل تختلف، والتعاريف تتنافر، والتطبيق يخضع دائما لمقتضيات كل عصر من العصور، لهذا أجد من الضروري أن أختم هذا البحث بتأملات تدور حول المذهب، قد يحتمل أن تكون كلها أو بعضها موضوعا للمناقشة والبحث، خلصت بها من إكبابي على درس هذا المذهب ، وتعتبر مكملة لأصل البحث، وإليك هي :
إن تحصيل اللذة الراهنة - كما يقول أرسطبس - هي القاعدة في الحياة على الضد مما يقول «كانت
Kant »، على أن الفارق بين الاثنين أن فلسفة «كانت» تختط للإنسان خطة في حساب النفس، يرجع فيه إلى الضمير، والتساؤل عند مباشرة أي عمل: «أيجوز أن يكون هذا العمل قانون الإنسانية الأدبي؟» «وهل ينطبق هذا العمل على ما تجيز الفضائل؟» في حين أن فلسفة أرسطبس لا تتقيد إلا بالمشاعر التي تستولي على النفس في ساعة بعينها، فتحصيل اللذة الراهنة سواء أكانت لذاتها أم للتحرر من ألم عارض، هي عنده قاعدة الحياة وناموس السلوك.
إذا استولت اللذة (إيجابا) أو التحرر من الألم (سلبا) على الإنسان وهو يزاول أي عمل من أعمال الحياة، فإن صوت ضميره يخفت تماما، حتى إذا تم الفعل، وكان على غير ما تجيز شرائع الآداب أو العرف استيقظ الضمير، وأخذ يحاسب النفس على ما اقترفت من استسلام للشهوة، فالضمير قوة ثانوية، والشهوة قوة أولية، غير أن أرسطبس احتاط لهذا، فقال بأن اللذة لا يجب أن تكون مرجوحة بالألم الذي يعقبها من حساب الضمير. •••
عبثا يحاول الإنسان أن يوقظ ضميره، إذا استولت عليه الشهوة، وعلى قدر ما تكون قوة استيلاء الشهوة على الإنسان يكون عجز إرادته عن إيقاظ ضميره، ليصد عن فعل بعينه أو ليحض عليه، ففي بعض الحالات يخفت صوت الضمير بل يكمن ويستخفي، وفي غيرها يعي بعض الوعي، وفي ثالثة يصارعك فإما له وإما عليه، وهذا على نسبة ما يكون تحكم الشهوة في المشاعر.
إن تحصيل اللذة الراهنة قد يكون متجها لما نعتبره خيرا وللخير الأسمى، كما يكون متجها لما نعتبره شرا وللشر الأدنى، والإنسان في كل الحالات خاضع للشهوة أولا، فإذا استقوت وكانت بواعثها مما لا يمكن قمعه تغلبت، وإذا لم تستقو فشلت، ولكن الشهوة على كل حال أكثر انتصارا، وأقل من الضمير اندحارا، والشهوة للخير أقل من الشهوة للشر - كما وكيفا - مع تقدير اعتباري الخير والشر في مفهومنا، كما أن للشهوة منازل ودرجات أبان عنها أرسطبس في مذهبه كل بيان .
ومما يدل على أن الشهوة أقوى من الضمير فعلا في النفس، أن الضمير لا يستيقظ إلا نادرا، وبعد وقوع الفعل في الغالب، وأن استيقاظ الضمير لا يكون إلا لقمع شهوة تقوم في النفس، أو محاسبة على فعل أتته خضوعا لشهوة ما، فالشهوة إذن أقوى من الضمير أثرا في السلوك الإنساني، وإذا قلت بأن كل أعمال الناس أثر من آثار الشهوة، أو بالأحرى إن أعمال الإنسان شهوات، توضع موضع التنفيذ؛ كنت أقرب ما يكون من الواقع. •••
يحتاج الضمير إلى حكم العقل أولا ليستيقظ؛ فإن الحكم على فعل من الأفعال بأنه مخالف أو موافق لشرائع الآداب، يحتاج إلى موازنة العقل، والعقل قد يخطئ كما أن حكمه نسبي اعتباري، يختلف باختلاف الزمان، وباختلاف الأفراد، وباختلاف الجمعيات.
ثم إن العقل خاضع في غالب أمره للتقاليد والوراثة والأوضاع التي درجت عليها كل جماعة من الجماعات، وإذن فالضمير خاضع لجملة من المؤثرات، وهو عرضة لتضارب أحكام العقل، أو للأخطاء التقليدية التي ورثت ولبست مع الزمان ثوب القداسة، فقد اتفقت كل الشرائع وتقاليد الجمعيات الإنسانية المتحضرة على أن القتل جريمة، ولكنه جائز في الحروب، فيقتل الناس بعضهم بعضا من غير أن يتحرك الضمير بوازع يصد الإنسان عن ارتكاب هذه الجريمة.
والسبب في هذا أن الضمير يخضع للتقاليد والأوضاع، وهنا تستولي شهوة القتل على النفس غير متورعة عنه بصورة من الصور، وإذا فرضنا أن القتل في الحرب دفاع عن النفس - كما يذهب البعض - فليس الدفاع عن النفس إلا فعل عكسي أصيل، لا يلبث أن يتحول سراعا إلى فعل عكسي
Page inconnue