La Philosophie du Coran
الفلسفة القرآنية
Genres
ولو أننا رجعنا إلى حروب العقائد من الوجهة العلمية لوجدنا أن أصحاب الأديان الأخرى قد شنوا على غيرهم من الحروب «المقدسة» أضعاف ما أثر عن تاريخ الإسلام، وقد رأينا في عصرنا هذا من دعاة الإصلاح من يؤلب الأمم على حرب كل حكومة تدين بمبادئ الطغيان في الحكم ولا تؤمن بمبادئ الحرية والشورى، ومن لم يسمع هذه الدعوة باختياره سمعها على قسر واضطرار، كما حدث في الحروب بين بلاد الفاشية والنازية وبين المنكرين لقواعد الحكم في تلك البلاد.
وعلاقات الحرب والسلم بين المسلمين وجيرانهم أو معاهديهم هي أرفع معاملة عرفت في عصور الحضارة الإنسانية: أمن الطريق، وأمان الوادعين المسالمين، وفتح المسالك للأرزاق والذهاب والمآب، وتنظيم ذلك كله بالعهود والمواثيق، مع حث المسلمين على رعايتها، ومسامحة الغادرين في غدرهم إذا أمنوا العاقبة ولم تلجئهم الضرورة إلى مقابلة الغدر بمثله؛ دفعا للهلاك، وصونا للحدود والحرمات.
وقد سبق الإسلام أمم الحضارة الحديثة إلى كل خير في معاملة الأسرى والرسل والجواسيس.
فالأسير يفتدي، والرسول لا يخشى على نفسه وماله، والجاسوس يعاقب بعقابه المصطلح عليه في كل زمان، ويعفى عنه إذا حسنت نيته واعتذر من عمله بعذر مقبول.
جاء ابن النواحة وابن آثال رسولا مسيلمة إلى النبي فقال لهما: «أتشهدان أني رسول الله؟» قالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال رسول الله: «آمنت بالله ورسوله، لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما»، فمضت السنة بتأمين الرسل والبرود.
وروى علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله أنا والزبير والمقداد بن الأسود، قال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ؛ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها»، فانطلقنا تتهادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتاب! فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب! فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله، فقال رسول الله: «يا حاطب، ما هذا؟» قال يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت امرءا ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا ولا أرضى بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله: «لقد صدقكم»، فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق! فقال: «إنه شهد بدرا، وما يدريك لعل الله يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ...»
فقوام المعاملات كلها في هذه العلاقات على الرفق ما أمكن الرفق، ثم على القوة المنصفة؛ لاتقاء ما لا يتقى بغيرها.
وعلى مثل هذه المعاملة تصلح العلاقات بين الأمم والحكومات، وفيها كل ما يهيئ الأسباب للوحدة العالمية بين الناس كافة، وهم الذين يعمهم القرآن الكريم بالخطاب ولا يخص المسلمين وحدهم حين يقول:
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير .
10
Page inconnue