La Philosophie du Coran
الفلسفة القرآنية
Genres
8
وإذا كانت شريعة الميراث تحمي الأسرة، ولا تحجر على حرية الأجيال فهي على هذا أصلح ما تصلح به الجماعات البشرية من نظام.
الأسر أو «الرق»
نحن نكتب هذه الفصول وقد مضى على انتهاء الحرب العالمية أكثر من سنتين، ولا تزال الدول الغالبة توالي البحث في مسألة الأسرى وتحاول أن تشرع لهم نظاما جديدا يوافق العلاقات الإنسانية التي تقررها بين الغالبين والمغلوبين وبين الأمم كافة على التعميم.
ولا تزال أخبار الأسرى ومحاكماتهم تتردد في الصحف وتنقلها الأنباء البرقية أحيانا كأنها من المألوفات التي لا تحتاج إلى تعليق.
ومن تلك الأخبار أن الأسرى من أبناء الأمم المغلوبة ينقلون بالألوف وعشرات الألوف من بلادهم إلى بلاد الأمم الغالبة أو مستعمراتها وتوابعها؛ حيث يعيشون هناك في المعتقلات عيشة الأرقاء السجناء، ويسلمون العمل في تعمير الخرائب وإصلاح الأرض الموات وإدارة المصانع التي يعملون فيها بالكفاف أو بما دون الكفاف، ولا يؤذن لهم في أثناء ذلك بحرية الإقامة أو حرية الانتقال.
ومن تلك الأخبار محاكمة بعض الأسرى المسئولين عن سوء معاملة الشعوب التي كانوا يحكمونها، أو القسوة على من كان في حراستهم من الأسرى التابعين للأمم الغالبة، وفي بعض التهم التي يحاكمون من أجلها أنهم أزهقوا بقسوتهم أو بسوء معاملتهم مئات وآلافا من الأبرياء، الذين لا ناصر لهم ولا يعزى إليهم ذنب يلامون عليه غير وقوعهم في الأسر وإلقائهم سلاح القتال في الميدان، وقد حكم على بعض أولئك المتهمين بالموت أو بالسجن آمادا طوالا؛ لثبوت التهمة عليهم بمختلف أدلة الثبوت.
يقع هذا في أعقاب حرب عالمية يراد على آثارها تصحيح الآداب الإنسانية في معاملة الأسرى والمغلوبين، ويعترف الساسة والمفكرون بضرورة هذا التصحيح من وجهة النظر إلى الواجب والمروءة، ومن وجهة النظر إلى المصلحة العالمية؛ لتحسين العلاقات بين أمم الحضارة وتدبير الوسائل التي تمنع تجديد الحروب، وتتكفل بمحو آثارها من النفوس، واستلال الضغائن التي تثيرها بين الموتورين والمنكوبين.
وهذا غاية ما وصلت إليه المساعي في مسألة الأسرى بعد ألفي سنة من عصر المسيحية الأولى، وبعد التفاهم على ضرورة النظر فيها من جديد على ضياء المصلحة العالمية، وعلى قواعد الآداب الإنسانية التي تجمل بعهد الحضارة ورجاء البشر في التقدم والسلام. •••
على أن النظرة العقلية أو الروحانية التي نظر بها حكماء الغرب ومصلحوه عند نشأة الفلسفة أو نشأة الدين أو نشأة البحث المجرد في الحكومة المثالية لم تسبق هذه النتيجة الواقعية بشيء كثير، ولو من قبيل النصح والاستحسان والمحاولة التي تجدي كثيرا أو قليلا في السعي إلى الكمال.
Page inconnue