La Philosophie du Coran
الفلسفة القرآنية
Genres
ولا نقصر القول هنا على الملكات العقلية أو الروحية التي لا يسهل إحصاؤها ولا تحصيلها، ولكنا نعم به هذه الملكات ومعها ملكات الحس والجسد، وهي محدودة متقاربة في جميع الناس.
فهذه الملكات الجسدية - فضلا عن الملكات العقلية والروحية - قابلة للنمو والمضاعفة إلى الحد الذي لا يخطر لنا على بال ولا نصدقه إلا إذا شهدناه.
وقد رأينا ورأى معنا ألوف من الناس رجلا أكتع يستخدم أصابع قدمه في أشياء يعجز الكثيرون عن صنعها بأصابع اليدين؛ يكتب بها، ويشعل عيدان الثقاب، ويصنع بها القهوة ويصبها في الأقداح ويشربها ويديرها على الحاضرين، ويسلك الخيط في سم الإبرة ويخيط الثوب الممزق، ويوشك أن يصنع بالقدم كل ما يصنع باليمنى أو باليسرى.
ورأينا ورأى معنا ألوف من الناس لاعبي البليارد في المسابقات العامة يتسلمون العصا ثم لا يتركونها إلا بعد مائة وخمسين إصابة أو تزيد، ولعلهم لا يتركونها إلا من تعب أو مجاملة للاعبين الآخرين، وهم يوجهون بها الأكر إلى حيث يريدون ويرسلونها بين خطوط مرسومة لا تدخل الأكر في بعضها ولا تحسب اللعبة إذا لم تدخل في بعضها الآخر، بحيث لو قال لك قائل: إن هؤلاء اللاعبين يجرون الأكر بسلك خفي لجاز لك أن تصدق ما يقول.
ورأينا من يقذف بالحربة على مسافات فتقع حيث شاء، ورأينا من ينظر في آثار الأقدام فيخرج منها أثرا واحدا بين عشرات، ولو تعدد وضعه بين المئات، ورأينا من يرمي بالأنشوطة في الحبل الطويل فيطوق بها عنق الإنسان أو الحيوان على مسافة أمتار.
هذه هي الملكات الجسدية المحدودة، وهذه هي آماد الكمال الذي تبلغ إليه بالتخصيص والمرانة والتوزيع.
فما القول إذا حكمنا على الناس جميعا أن يكسبوا أعضاءهم ملكة من هذه الملكات؟ إننا نخطئ بهذا أيما خطأ ونعطلهم به عن العمل المفيد، ولكننا نخطئ كذلك كل الخطأ إذا حجرنا على إنسان؛ لأنه أتقن ملكة من هذه الملكات الجسدية، ولو جار في نفسه على ملكات أخرى يتقنها الآخرون.
فإذا كنا جاوزنا بالقوى الجسدية حدودها المعهودة بالمرانة والتخصيص، فما الظن بالقوى الروحية أو العقلية وهي لا تتقارب في الناس هذا التقارب ولا تقف عند هذه الحدود؟
وإذا كان طالب القوة الروحية يؤثرها على جسده فلماذا نلومه، وننحي عليه، ونحن لا ننحي على اللاعب إذا آثر المهارة في اللعب على المهارة في فنون العقل أو الكمال في مطالب الروح؟
إذا لمنا من يجور على جسده؛ لأنه يضر الناس إذا اقتدوا به أجمعين فمن واجبنا أن نلوم كل ذي ملكة وكل ذي عمل وكل ذي فن وكل ذي رأي من الآراء، فما من واحد بين هؤلاء إلا وهو يضر الناس إذا اقتدوا به أجمعين!
Page inconnue