وينتشر هذا الحديث، فما تشكّون في أنني أنا الّذي أظهرته فيكون ذلك سبب هلاكي، فقال الوزير: قد عرفنا ذلك اخرج وتوجّه في أمان الله تعالى فإن الشياطين تنقل عظائم الأخبار. ومما يجري هذا المجرى، ما حدّثني به بعض أهل بغداد. قال: حدّثني صديق لي قال: كنّا نتمشى في دولاب بستان البقل، وقد أمعنّا في الدخول إلى أقصاه، فسمعنا صوت قائل يقول: مات أباقا [١]، قال: فنظرنا فلم نبصر أحدا. ثم إنّنا أرحنا اليوم، فلما فشا الخبر كان كما قال. قيل: إن صاحب الموصل- وأظنه بدر الدين [٢]- قال لمجد الدين بن الأثير الجزري [٣]: أريد أن تعين لي في هذه الساعة على رجل دين أمين يكون موضعا للسرّ أحمّله مشافهة سريّة إلى الخليفة، ويتوجّه في هذه الساعة فأفكر ابن الأثير ساعة ثم قال يا مولانا:
ما أعرف أحدا بهذه الصفة إلا أخي [٤] . قال: فقم وعرّفه ذلك. وأرسله إلى داره، وحكى لأخيه ما جرى عند السلطان، وقال له يا أخي والله ما شهدت لك إلا بما أعرفه منك، فتوجّه إلى خدمة السلطان، وامتثل ما يشير به. فحضر ابن الأثير عند السّلطان وشافهه بالمراسلة، وقال له: تتوجّه في هذه الساعة. فحضر ابن الأثير إلى داره ليودّع أخاه فوجده قائما في الدهليز ينتظره، فقال له: شافهك السّلطان بالحديث. قال: نعم، قال: فما هو؟ قال: يا أخي الساعة شهدت لي عنده بالدين والأمانة وحفظ السرّ، فيجوز أن أكذّبك في الحال؟ قال لي شيئا ما أقوله إلا لمن أمرني أن أقوله له. قال فبكى مجد الدين أخوه ودعا له. ومن الأشعار المقولة في ذلك قول الحماسيّ:
_________
[١] أباقا: سلطان مغولي خلف أباه هولاكو. سبقت ترجمته.
[٢] بدر الدين: هو بدر الدين لؤلؤ، عامل المستعصم على الموصل سبقت ترجمته.
[٣] مجد الدين: أبو السعادات المبارك بن محمد الشيبانيّ. صاحب كتاب (جامع الأصول في أحاديث الرسول) توفي/ ٦٠٦/ هـ.
[٤] لمجد الدين بن الأثير هذا، أخوان آخران، هما عزّ الدين أبو الحسن المؤرّخ، وضياء الدين أبو الفتح الكاتب صاحب كتاب «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» ولم يحدّد في روايته أيهما المقصود بحكاية الأمانة على السرّ.
1 / 66