وكذلك لا ينبغي أن يحبس من يكفي في تأديبه التّهديد، كما أنه لا ينبغي أن يضرب من يكفي في تأديبه الحبس، ولا أن يقتل بالسيف من يكفي في تأديبه ضرب العصا وتمييز هذه الحالات، بعضها من بعض أعني معرفة المزاج الّذي يكفي فيه التهديد ولا يحتاج إلى الحبس. أو يكفي فيه الحبس ولا يحتاج إلى الضّرب- يحتاج إلى لطف حدس وصحّة تمييز وصفاء خاطر ويقظة تامّة وفطانة كاملة. فما أشدّ ما تتشابه الأخلاق. وتلتبس الأمزجة والطّباع.
ويجب على الملك أن ينظر في أمر القتل وإزهاق النفس، فيعلم أنّه الحادث الّذي لا حياة للحيوان بعده في الدنيا، وأنه لو اجتهد أهل الأرض كلّهم على إعادته إلى الحياة لم يقدروا على ذلك. وبحسب هذا الحال، يجب أن يكون تثبّته في إزهاق النّفس وهدم الصّورة وتأنيّه وتروّيه، حتى تقوم الأدلّة على وجوب القتل، فإذا وجب استعمله على الوضع المعهود، من غير تأنّق فيه وتنوّع غريب، وتمثيل بالمقتول. ورد عن سيد البشر- صلوات الله عليه وسلامه-: «إياكم والمثلة [١] ولو بالكلب العقور [٢]» . لما ضرب ابن ملجم- لعنه الله- عليّ بن أبي طالب بالسيف قبض ابن ملجم وحبس حتّى ينظر ما يكون من أمر عليّ- ﵇ فجمع عليّ ولده وخاصّته وقال: يا بني عبد المطّلب- لا تجتمعوا من كلّ صوب تقولون قتل أمير المؤمنين لا تمثّلوا [٣] بالرجل، فإنّي سمعت رسول الله- ﷺ ينهى عن المثلة ولو بالكلب العقور. وانظروا إذا أنا متّ من ضربي، فاضربوا الرجل ضربة بضربة [٤] .
ومن فوائد التأني والتثبّت في القتل. الأمن من النّدم حين لا يجدي النّدم.
_________
[١] المثلة: القتل مع التنكيل وتشويه الجثّة.
[٢] الكلب العقور: الهائج للعضّ.
[٣] لا تمثّلوا بالرّجل: لا تقتلوه قتلة المتشفّي مع التنكيل.
[٤] ذكر واقعة اغتيال الإمام عليّ وارد في موضع لاحق.
1 / 47