133

Encyclopedia of Heart Jurisprudence

موسوعة فقه القلوب

Maison d'édition

بيت الأفكار الدولية

Genres

وكلما كان الإنسان أقرب إلى ربه تعالى كانت رحمة الله تعالى أولى به. وكلما كان العبد طائعًا لله ورسوله، منتهيًا عما نهى الله ورسوله عنه، كان استحقاقه للرحمة أعظم كما قال سبحانه: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢)﴾ [آل عمران: ١٣٢]. وسمى الله ﷿ كتابه بالرحمة فقال سبحانه: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩)﴾ [النحل: ٨٩]. وسمى الله سبحانه الجنة بالرحمة، وهي أعظم رحمة خلقها الله لعباده الصالحين فقال: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١٠٧)﴾ عمران: ١٠٧]. وأرسل الله ﷿ رسوله بالرحمة فقال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)﴾ ... [الأنبياء: ١٠٧]. وإذا وصل العبد ما بينه وبين الرحمن بالعبادة والطاعة .. ووصل ما بينه وبين الخلق بالرحمة والإحسان .. تم له أمر دينه ودنياه وأخراه .. ونال مراده من مولاه. وإن قطع ما بينه وبين الرحمن، وما بينه وبين الأرحام، فسد عليه أمر دينه ودنياه وأخراه .. وحرم رضا مولاه. وإذا أراد الله بأهل الأرض خيرًا نشر عليهم أثرًا من آثار اسمه الرحمن فعمر به البلاد، وأحيا به العباد، وإذا أُراد بهم سوءًا أمسك عنهم ذلك الأثر، فحل بهم من البلاء بحسب ما أمسك عنهم من آثار اسمه الرحمن. ومن تأمل هذا الكون العظيم بعين البصيرة، رآه ممتلئًا بهذه الرحمة الواحدة، التي ملأت طباق ما بين السماء والأرض كامتلاء البحر بمائه، والجو بهوائه، وما في خلاله من ضد ذلك فهو مقتضى قوة سبقت رحمتي غضبي، فالمسبوق لا بدَّ لاحق وإن أبطأ، وفيه حكمة لا تناقضها الرحمة. فهو سبحانه أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين، يضع كل شئ في موضعه.

1 / 139