Les Perles en abrégeant les campagnes et les biographies

Ibn Abd al-Barr d. 463 AH
4

Les Perles en abrégeant les campagnes et les biographies

الدرر في اختصار المغازي والسير

Chercheur

الدكتور شوقي ضيف

Maison d'édition

دار المعارف

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

١٤٠٣ هـ

Lieu d'édition

القاهرة

فِي غربي الأندلس، حَيْثُ أمراؤها بَنو الْأَفْطَس، وَمَا كَاد يسْتَقرّ فِي حاضرتهم حَتَّى أكرموه غَايَة الْإِكْرَام، وولوه الْقَضَاء فِي بلدتي أشبونة وشنترين من بلدان إماراتهم. ويتحول إِلَى شَرْقي الأندلس وَينزل بلنسية ودانية، وَرُبمَا كَانَ مِمَّا حببه فِي الْأَخِيرَة مُجَاهِد الَّذِي كَانَ يمسك بمقاليد الحكم فِيهَا، فقد كَانَ مشاركا فِي عُلُوم الْقُرْآن والْحَدِيث كَمَا "كَانَ محبا للْعُلَمَاء محسنا لَهُم حَتَّى عرف بذلك بَلَده وَقصد من كل مَكَان". وَكَانَ لِابْنِ عبد الْبر ابْن أديب وَكَاتب بليغ، فوظفه مُجَاهِد فِي دواوينه، حَتَّى إِذا توفّي اتَّخذهُ ابْنه على "٤٣٦- ٤٦٨هـ" رَئِيسا لدواوينه وَكتابه. وَحدث أَن صدر عَنهُ برسالة إِلَى المعتضد صَاحب إشبيلية "٤٣٦- ٤٦١هـ" وبدلا من أَن يتلقاه لِقَاء حسنا حَبسه فِي سجنه، مِمَّا جعل أَبَاهُ يَقْصِدهُ مستعطفا بِمثل قَوْله: قصدت إِلَيْك من شَرق لغرب ... لتبصر مقلتي مَا حل سَمْعِي وتعطفك المكارم نَحْو أصل ... دعَاكُمْ رَاغِبًا فِي خير فرع فَإِن جدتم بِهِ من بعد عَفْو ... فَلَيْسَ الْفضل عنْدكُمْ ببدع وسرعان مَا رد المعتضد إِلَى ابْنه حُرِّيَّته وَعَاد إِلَى دانية. ولبى الابْن نِدَاء ربه فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة، وَلَعَلَّ ذَلِك هُوَ الَّذِي جعل أَبَاهُ يتَحَوَّل عَن دانية إِلَى شاطبة، وَبهَا يسلم روحه إِلَى بارئه فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة عَن خَمْسَة وَتِسْعين عَاما. وَهَذِه السن الْعَالِيَة جعلت ابْن عبد الْبر كَمَا شهد موت ابْنه يشْهد وَيسمع عَن موت كثيرين من تلاميذه مثل ابْن حزم، وَكَانَ يصغره بِنَحْوِ عشْرين عَاما، وَتُوفِّي قبله بِنَحْوِ سَبْعَة أَعْوَام. وَكَانَ يجنح فِي باكورة حَيَاته إِلَى مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة أَتبَاع دَاوُد بن عَليّ الْأَصْبَهَانِيّ الَّذِي كَانَ يُنكر الرَّأْي فِي الْفِقْه والتشريع وَيَبْنِي أَحْكَامه على ظَاهر الْآيَات القرآنية وَالسّنة النَّبَوِيَّة. على أَنه لم يلبث أَن انتظم فِيمَا انتظم فِيهِ جُمْهُور أساتذته وَأهل موطنه من اعتناق مَذْهَب مَالك بن أنس. وَكَانَ فِيهِ اعْتِدَال جعله يمِيل إِلَى بعض آراء الشَّافِعِي الْفِقْهِيَّة. وَكَأَنَّهُ لم يكن يعرف التعصب والتحيز إِنَّمَا يعرف الْحق ويطلبه، فَإِذا استبان لَهُ انْقَادَ رَاضِيا. وَيجمع من ترجموا لَهُ على الإشادة بِعِلْمِهِ وَرِوَايَته الغزيرة للْحَدِيث النَّبَوِيّ. وَفِيه يَقُول الْحميدِي تِلْمِيذه: "فَقِيه حَافظ مكثر عَالم بالقراءات وبالخلاف فِي الْفِقْه وبعلوم

1 / 6