Durar Hisan en Arabistan
الدرر الحسان في إمارة عربستان: وترجمة مولانا صاحب العظمة سردار أرفع معز السلطنة الشيخ «خزعل خان» أمير المحمرة وحاكمها ورئيس قبائلها
Genres
اشتهر عظمة السردار أرفع بعدل أحكامه؛ وهو يحكم بشرع المصطفى عليه الصلاة والسلام، وينيط الأحكام بقضاة عادلين، ولا تنفذ ما لم تعرض على أنظاره العلية، ويدقق فيها. وطالما سمعناه، حفظه الله، يقول: «ويل لي إذا غفلت عن مظلوم، أو تغافلت عن ظالم، أو لحقت بأحد رعاياي المغارم.» وطالما رأيناه يدعو الله فيقول: «اللهم أعني على العدل، اللهم وفقني للإنصاف، اللهم سدد خطواتي بشرعتك، واهدني بهديك، بشفاعة نبيك الأمين وآله الطاهرين.»
وتناط الأحكام بإمارة المحمرة بقضاة عادلين نزهاء أتقياء متخرجين في النجف الأشرف، مشهود لهم بالاستقامة والعلم والنزاهة، وهم لا يعرفون الرشوة ولا المحاباة، ويحكمون بما أنزل الله. ومما يذكر هنا أن الرشوة غير معروفة في إمارة عربستان، وكان الناس يندهشون كلما سمعوا بأن الحقوق تباع وتشترى في المحاكم التركية في العراق، ويحمدون الله على ما هم فيه من بحابح العدل.
ولا يغض عظمة السردار أرفع، حفظه الله، طرفه في القضايا الجنائية، بل هو فيها شديد العقاب، يتمثل وهو يصدرها دائما بقوله تعالى:
ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ؛ ولهذا تندر الجنايات في إمارة المحمرة؛ حتى لتمشي المرأة في غلس الليل وهي حاملة الذهب ولا تخاف شرا.
أما في القضايا الحقوقية فعلى العكس، ومبدأ عظمته، حفظه الله، العدل مع الرحمة؛ فهو لا يرضى أن يعتدي أحد الناس على سواه بحق من حقوقه، ولا يعرف في الحق كبيرا ولا صغيرا، إلا أنه إذا رأى المدين يتعذر عليه دفع ما بذمته لعسر حقيقي انتابه لا عن احتيال، ينظر إلى الدائن فإذا وجده ميسرا أمره أن يتمهل على غريمه في استيفاء حقه ويذكره بقوله تعالى:
وتعاونوا على البر والتقوى ، وإذا وجده معسرا أمر بصرف المال من جيبه الخاص وأعفى منه المعسر أو قسطه عليه نجوما إلى زمن طويل حسب حال المديون. ولعمري أن حاكما كعظمة السردار أرفع يدفع ديون الغرماء ويمنع الحيف عن الضعفاء ويحكم بما أنزل الله عدلا وإنصافا ويوزع هباته على قصاده جزافا لخليق أن يفتخر به المفتخرون ويتغنى بحمده المتغنون.
وبالإجمال نقول إن القضاء في عربستان يمتاز بعدله وسرعته في إصدار الأحكام ورهبته في نفوس الأهلين، بحيث تقل الجرائم وتندر المغارم، ولا يخاف الضعيف سلطة قوي جبار، ولا الصغير جاه كبير ذي استكبار، والجميع في حقوقهم راضون، وأمام القضاء متساوون، وبمليكهم مغتبطون.
الضرائب في عربستان
وليس في عربستان ضرائب تقصم الظهور وتثقل الكواهل، بل ليس فيهم من يدفع قرشا واحدا للخزينة الخزعلية العامرة، بل بالعكس أن أهالي الإمارة عيال على عظمته، وطالما قصدوه فاستدانوا منه الأموال قرضا حسنا لمزارعهم ومتاجرهم؛ حتى قال لي يوما مدير البنك الشاهاني الإيراني، وقد سألته على حركة مصرفه ما نصه: «طالما عظمة السردار أرفع يشتغل بأشغال البنك بغير ربح فلا يمكن أن تنجح شعبتنا هنا، ولولا الأعمال المصرفية الخارجية لما وجدتنا ههنا.» فتعجبت من هذا القول واستزدته إيضاحا، فقال: «إن التجار والمزارعين يقصدون عظمته فيقرضهم لوجه الله ما يحتاجون إليه من الأموال، فيتاجرون أو يزرعون بها، ثم يعيدون لعظمته ما استقرضوه عندما يتيسر لهم الوفاء.» فهل سمع الأولون والآخرون بعناية ملك لرعاياه كعناية هذا الملك العظيم، حفظه الله؟
والأغرب من هذا أن عظمته، حفظه الله، ينفق على جيشه الجرار في حروبه من جيبه الخاص، ولا يكتفي بهذا الإنفاق، بل ويشفعه بالهدايا والمنح عند حل الجيش وإعادة القبائل لديارها، وهكذا تذهب واردات عظمة السردار أرفع العظيمة في سبيل تعزيز إمارته وتعميرها، وتوفير وسائل اليسر لها، وإنها لنعمة يقدرها أهالي عربستان حق قدرها، ويشكرون عظمة مليكهم المحبوب عليها شكر الأرض للغمام الهطال، ويدعون لعظمته بطول العمر مدى الأجيال.
Page inconnue