قال جمعة بهدوء نسبي بعد أن أزاح الاعتراف عن صدره هما ثقيلا: شرعت في التأمين على حياتي. - وبعد؟ - رفض الطلب، ذهبت إلى عدد وفير من الأطباء، وإني على يقين الآن من خطورة الحال.
فندت عن الأخ ضحكة هازئة، وقال: لا أحد يمكن أن يكون على يقين من ذلك إلا الله!
فقال جمعة بفتور: طبعا .. طبعا، إنه فوق كل شيء، ولكني على يقين من حالي. - كلام فارغ، أستطيع أن أحكي لك ألف حكاية تثبت أن كلام الأطباء ما هو إلا هراء.
فقال متنهدا: وأستطيع أن أحكي لك ألفا أخر تؤكد العكس.
واستقر صمت ثقيل. وجاء ماسح أحذية يدق صندوقه، ولكن سرعان ما صرف، وهبت نسمة رطيبة تحت البواكي على حين بدت العتبة كأنها تدور إلى الأبد مع المركبات والناس. ثم قال الأخ بصوت عميق: يجب أن تقتلع من رأسك هذه الأفكار السود، هي مرضك الوحيد، وإذا أردت أن تطمئن حقا على نفسك فسافر معي إلى القناطر؛ لتزور شيخا عجيبا يقصده الأطباء أنفسهم في الشدائد!
فقال جمعة في بلاهة: نعم. - أراك تشك فيما قلت!
فاعتدل جمعة في جلسته وقال: فلنؤجل هذا إلى حين، إنما دعوتك لأمور هامة وعاجلة. - لكني لا أحب لك أن تعايش أفكارك المدمرة. - لندع هذا الحديث جانبا، الآن خذني على قد عقلي، وأصغ إلي.
فتمتم الأخ بمرارة: نعم!
فقال جمعة بإشفاق ووجوم: عصمت ولولو. - عارف، عارف أنك ستتحدث عنهما.
وهم بالاعتراض، ولكن جمعة أشار إليه بالسكوت، وقال: لي شريك في الدكان، وهو رجل طيب مثلك، ولكن العمل سيتطلب منك رعاية، ولا بد لي من الاطمئنان على مستقبل أسرتي ، أنا آسف أن أحملك مسئوليات جديدة في الحياة، ولكن لا حيلة لي، ثم إن لي نقودا في البنك فلن أتركهما. - تتركهما؟! - خذني على قد عقلي من فضلك، لن يحتاجا إلى نقود، ولكنهما ستكونان دائما في حاجة إلى رعايتك.
Page inconnue