ومن كل هذا يظهر أن المآخذ التي أخذت عليه لا علاقة لها بعلمه وإتقانه وضبطه ، فقد ذكر أبو علي النيسابوري أنه لم ير في أصحابه أحفظ من أبي بكر ابن الجعابي ، هذا وأبو علي النيسابوري هو أستاذ ابن الجعابي ، ولذلك قال الخطيب البغدادي معقبا : «حسب ابن الجعابي شهادة أبي علي له أنه لم ير في البغداديين أحفظ منه ، وقد رأى يحيى بن صاعد وأبا طالب أحمد بن نصر وأبا بكر عبد الله ابن محمد بن زياد النيسابوري وعامة أهل ذلك العصر ، وكان أبو علي قد انتهى إليه الحفظ عن الخراسانيين ، مع اشتهاره بالورع والديانة والصدق والأمانة» (1).
ومما يثير الانتباه أن ابن الجعابي قد أوصى بأن تحرق كتبه عند موته ، فذكر الأزهري أنها أحرقت جميعا ، وأحرق معها كتب للناس كانت عنده (2). وتشير روايات أخرى إلى أنه أحرق كتبه بنفسه أو قبيل وفاته ، فقد نقل الذهبي عن ابن شاهين ، قال : دخلت أنا وابن المظفر والدار قطني على ابن الجعابي وهو مريض ، فقلت له : من أنا؟ قال : سبحان الله ألستم فلانا وفلانا؟ وسمانا ، فدعونا وخرجنا ، فمشينا خطوات ، فسمعنا الصائح بموته ، ورأينا كتبه تل رماد (3). ونقل عن مسعود السجزي ، قال : حدثنا الحاكم ، قال : سمعت الدار قطني يقول : أخبرت بعلة الجعابي ، فقمت إليه ، فرأيته يحرق كتبه ، فأقمت عنده حتى ما بقي عنده سينة ، ومات من ليلته (4).
إن هذه النصوص تشير إلى أن كتب ابن الجعابي لم تصل إلى من جاء بعده ، وأنها أتلفت. ولعل هذا هو الذي يفسر لنا كيف أن الخطيب لم ينقل من هذا الكتاب ، إن وجد ، نصا واحدا ، ولا أشار إليه في تاريخه مع تداعي همته إلى
Page 37