121

بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة

بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة

Maison d'édition

مكتبة الآداب

Édition

السابعة عشر

Genres

ومما يرى تقديمه١ كاللازم لفظ "مثل" إذا استُعمل كناية من غير تعريض٢؛ كما في قولنا: "مثلك لا يبخل"، ونحوه مما لا يراد بلفظ "مثل" غير ما أضيف إليه، ولكن أريد أن من كان على الصفة التي هو عليها كان من مقتضى القياس وموجب العرف أن يفعل ما ذكر أو ألا يفعل٣، ولكون المعنى هذا٤ قال الشاعر "السريع":
ولم أقل مثلك أعني به ... سواك يا فردا بلا مشبه٥
وعليه قوله "من السريع":
مثلك يثني الحزن عن صوبه ... ويستردّ الدمع عن غَرْبه٦

١ أي: على الخبر الفعلي، ويلحق بلفظ "مثل" ما هو بمعناه كلفظ "شبيه ونظير"، وإنما كان التقديم فيها كاللازم ولم يكن لازما؛ لأنه لا شيء يوجبه من جهة القياس ولا من جهة الكناية، وإنما هو مما يساعد على الغرض المقصود منها، وهي حاصلة مع التقديم والتأخير، فليس هذا اللزوم إلا في استعمال البلغاء.
٢ أي: بغير ما أضيف إليها، فلو أريد بها غيره لم يلزم تقديمها؛ لأنها تخرج من الكناية إلى الحقيقة، كما في قول أبي إسحاق الصابي "من الطويل":
تشابه دمعي إذا جرى ومدامتي ... فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب
فليس المراد بالتعريض هنا التعريض المعدود من الكناية، وإنما المراد به معناه اللغوي وهو الإشارة على وجه الإجمال.
٣ هذا يلزم أنه هو نفسه يفعله أو لا يفعله؛ فالكناية في ذلك من إطلاق الملزوم وإرادته اللازم.
٤ أي: على أنه لا يراد بـ "مثل" غير ما أضيفت إليه.
٥ هو لأحمد بن الحسين المعروف بأبي الطيب المتنبي، و"مثلك" فيه مفعول "أقل" على حكايته في البيت الآتي بعده؛ لأنه قبله في القصيدة.
٦ هو للمتنبي أيضا من قصيدة له في الرثاء، وقوله: "يثني الحزن" بمعنى يكفّه بالصبر، والصوب: الجهة، والغرب: عِرْق في العين يجري منه الدمع، وفي رواية: "يثني المزن" وهو السحاب، وهي خلاف رواية الديوان، ولا تناسب مقام الرثاء.

1 / 123