بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
Maison d'édition
مكتبة الآداب
Édition
السابعة عشر
Genres
في الفعل، كأنه قيل: "وما أنت علينا بعزيز بل رهطك هم الأعزة علينا"١. وفيه نظر؛ لأنا لا نسلم أن إيلاء الضمير حرف النفي إذا لم يكن الخبر فعليا يفيد الحصر، فإن قيل: الكلام واقع فيه وفي رهطه وأنهم الأعزة عليهم دونه، فكيف صح قوله: ﴿أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ﴾؟ قلنا: قال السكاكي: معناه: من نبي الله، فهو على حذف المضاف، وأجود منه ما قال الزمخشري: وهو أن تهاونهم به -وهو نبي الله- تهاون بالله، فحين عز عليهم رهطه دونه كان رهطه أعز عليهم من الله، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ ٢؟
ويجوز أن يقال: لا شك أن همزة الاستفهام هنا ليست على بابها؛ بل هي للإنكار للتوبيخ، فيكون معنى قوله: ﴿أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ﴾ إنكار أن يكون مانعهم من رجمه رهطه؛ لانتسابه إليهم دون الله تعالى مع انتسابه إليه أيضا، أي: أرهطي أعز عليكم من الله حتى كان امتناعكم من رجمي بسبب انتسابي إليهم بأنهم رهطي، ولم يكن بسبب انتسابي إلى الله تعالى بأني رسوله؟! والله أعلم.
١ فيكون الزمخشري في هذا موافقا للسكاكي، ويرى مثله أن نحو: "زيد عارف" من قبيل "هو عرف" في إفادة التقوية والتخصيص.
٢ [سورة النساء، الآية: ٨٠] .
هذا، ومما ورد من الشعر في إفادة التقديم التقوية أو التخصيص قول جرير "من الوافر":
إن العيون التي في طرفها مَرَض ... قتلْنَنا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا
وقول بعضهم "عمرو بن قميئة" "من الكامل":
كانت قناتي لا تلين لغامز ... فألانها الإصباح والإمساء
ودعوت ربي بالسلامة جاهدا ... ليصحني، فإذا السلامة داء
وقول الآخر "من الطويل":
لمست بكفي كفه أبتغي الغنى ... ولم أدرِ أن الجود من كفه يعدي
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت وأعداني فأتلفت ما عندي
1 / 122