وجوده. وهذا مبنيُّ على إِثبات كلام النفس؛ وأنّ التكليف بمعنى الطلب. ومَن زعَم أنّ كلام الله حروفٌ وأصواتٌ قديمةٌ، جعَلَها متوجّهةً إِلى المعدوم بتقدير وجوده أيضًا. والمعتزلة أنكَروا الكلامَ بالمعنيين. وأيضًا، زعموا أنّ كلام مَن لا يَسمَع ولا يَعقِل، بل هو عدمٌ محضٌ، قبيحٌ عقلًا.
[إِبطال اليهودِ النسخَ]
ومنها أنّ اليهود مِمَّا تمسّكوا به في إِبطال النسخ أنّ الحُكمَ المنسوخ إِمّا مِن حَسَنٍ، فنسخُه قبيحٌ؛ أو قبيحٍ، فابتداء شرعِه أقبح. وجوابه أنّه مبنيُّ على التحسين والتقبيح؛ وهُم مِن القائلين به. وقد أبطلناه. والمعتمَد عندنا في ذلك أنّ مصالحَ الخلقِ تختلف باختلاف الأوقات. فيجوز لذلك نسخُ الأحكام رعايةً لمصالحهم تفضُّلًا من الله تعالى؛ كما يفعل الطبيبُ بالمريض، حيث يأمره اليومَ بغذاءٍ يمنعه منه غدًا، لاختلاف مصلحة بدنه بذلك. والشراعُ طبيبُ الأديانِ.
[مَنعُ جمهور المعتزلة مِن نسخِ الحكمِ قبل دخول وقته]
ومنها أنّ جمهور المعتزلة مَنعوا من نسخِ الحكم قبل دخول وقته. كما لو قال: "صُوموا رمضان"، أو "حُجُّوا هذا العام"؛ ثمّ قال: "في شعبان"، و"قبل يوم عرفة، لا تفعلوا"، بناءً على أنّ ذلك عَبَثُ. إِذ لا يحصل مقصودُ العبادةِ. وهو قبيحٌ. وهي فردٌ من أفراد التكليف بفعلٍ يعلمُ الآمرُ انتفاء شرطِه، كما سبق. إِذ إِرادةُ اللهِ سبحانه إِيقاعَ الفعلِ شَرطٌ فيه. وبالنسخ، زال تعلّقُ الإِرادةِ به، أو تَبَيّنّا أنها لم تتعلّق به. ولعلّ هذا مأخذ الخلاف. وهو أنّ الإِرادة شرطٌ في الأمر عندهم؛ فإِذا تعلّقَت بالمأمور، لا يزول تعلُّقُها حتى يقع. وعندنا، ليست شرطًا فيه.
[نسخُ وجوبِ معرفة الله وشكر المنعم وتحريم الكفر والظلم]
ومنها أنّ أصحابا والمعتزلة اختلفوا في تصوُّر نسخِ وجوب معرفة الله وشكر المنعم، وتحريم الكفر والظلم ونحوه، بناءً على الخلاف في التحسين والتقبيح. فمَنَعه المعتزلةُ بناءً على أصلهم.
هذا ما تيسّر إِثباتُه من فروع التحسين والتقبيح في أصول الفقه.
1 / 122