والحقُّ صحّةُ هذا التكليف، وأنّه ليس من تكليف المحال في شيءٍ. لأنّه تكليفٌ مفيدٌ ظاهرًا؛ بأن يَعزم المكلَّف على الامتثال، فُيثابُ؛ أو لا يَعزِم، فيُعاقبُ. ويَنقطع هذا التكليفُ عنه بموته، كانقطاع سائرِ التكاليف المتكرِّرة التي فَعَلَ بعضهَا، كالصلوات ونحوها. والخلاف في هذا الفرع يُشبِه الخلافَ معهم في نسخِ الفعلِ قبل وقته.
[تأخير البيان عن وقت الحاجة]
ومنها أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو وقت العمل، لا يجوز إِجماعًا، إِلاّ على تكليف المحال. ولعلّ امتناعَه عند المعتزلة بناءٌ على التحسين والتقبيح، وعند من لا يقول به لمدرَكٍ آخر.
[بقاء التكليف مع زوال العقل]
ومنها أنّ بقاء التكليف، مع زوال العقل، يخرج على تكليف المحال. وهو كتكليف الصبيّ والمجنون ابتداءً.
فهذا ما حضر من فروع تكليف المحال. والنزاع في هذه الصور كلّها في جوازه عقلًا. أمّا وقوعه سمعًا، فلم نعلمه في الشريعة. وترَّدد فيه قول الأشعريِّ، واختلف فيه أصحابُه. ووقوعُه في مسألة خلقِ الأفعالِ لازمٌ على رأيه فيه، كما سبق. ويأتي إِن شاء الله تعالى.
فإِن قيل: "لو كان جائزًا، لوقع، ولو في صورةٍ متّفقٍ عليها". قلنا: هذا الطريق إِنما يفيد في مسائل الفروع الظنِّيّة. أمّا العقليّات فلا يفيد فيها؛ إِذ الوقوع ليس من لوزام الجواز. وكثيرٌ من الجائزات لم تَقَع؛ كالمعلومات العاديّة؛ نحو انقلاب الجبل ذاهبًا، والبحر عسلًا، والأرض خبزًا، علامةً ونحوها. فإِنها جائزةٌ في أنفسها؛ ولكنّ العادة جرت بأنها لا تقع. ولهذا، إِذا انخرقَت العاداتُ يومَ القيامة، صارت الأرض خبزةً، كما صحّت به السنّة.
ثمّ عُدنا إِلى فروع الأصل الأكبر، وهو التحسين والتقبيح.
[تكليف المعدوم]
ومنها تكليف المعدوم، بمعنى قيام طلبِ الفعل بذات الله تعالى من المعدوم، بتقدير
1 / 121