"متكلّم". وكذا قالوا: "انبعاث الأشعّة من الحدق، واتصالها بالمرئيّ، شرطٌ في الرؤية، قياسًا على الشاهد". فلا جرم منعوا جواز رؤية الله، لاستحالة اتّصال الأشعّة به. وهذا، إِن لم يكن من باب التحسين والتقبيح، فهو من باب قياس الغائب على الشاهد. وهو نازعٌ منزعَه، ومأخوذٌ منه؛ كأنهم قالوا: يقبُح في العقل إِثباتُ ما يخالف العقلَ". وهو خلاف ما اشترطوه من البنية، واتّصال الأشعّة غير معقولٍ.
[حكموا بقبح الآلام في العالم إِلاّ لغرضٍ صحيحٍ]
ومنها أنهم حكموا بقبح الآلام في العالم إِلاّ لغرضٍ صحيحٍ، كتحقيقِ عقابٍ وزجرٍ، كالقصاص، أو التزامِ ثوابٍ في مقابلتها، أو دفعِ ما هو أعظم بلاء منها. وعندنا، لا يقبُح من الله شيءٌ، حتى إِيلام البريء والطفل والدابّة، لأنّه ماِكٌ متصرفٌ تامّ التصرُّفِ.
ويَفسُد مذهبُهم بأن يقال: الألم قبيحٌ لذاته، أو لغيره؟ إِن كان لذاته، فكيف انقلب في الصور التي استثنيتموها حَسًنًا؟ والأحكام الذاتيّة لا تقبل التغيُّر ما دامت الذاتُ باقيةً. وإن كان لغيره. فذلك الغيرُ إِمّا لازمٌ له، لا ينفكّ عنه؛ فيصير كالقبيح لذاته، ويعود الكلامُ فيه. وإِن لم يكن لازمًا، فبتقدير انفكاكه، يزول قبحُ الألمِ؛ فيجوز، أو لا يُمنَع فعلُه مطلقًا. وأنتم أثبتُّم قبحه، فيما عدا الصور المستثناة، مطلقًا. وأيضًا، الأعراض التي جوّزتم الألمَ لأجلها في الصور المستثناة يَقدِر اللهُ صبحانه على تحصيلها بدون الإِيلام؛ فتصير واسطةً مستغنًى عنها، وهو عبثٌ قبيحٌ. فإِذن، لا وجه لاستثنائكم تلك الصور. فيلزمكم تقبيحُ الإِيلام مطلقًا، أو تحسينُه مطلقًا.
[الأنبياء أفضل أم الملائكةُ؟]
ومنها أنّ الأنبياء، عند الجمهور، أفضل من الملائكة. وعند المعتزلة والفلاسفة الملائكةُ أفضل. وفي الملّة ستّة أقوالٍ، ذكرتُها في تفسير قوله تعالى: ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾. ومن مآخذ الفلاسفة فيها أنّ الملَك روحانيُّ نورانيُّ شفافٌ خفيفٌ، وأنّه مجاوِرٌ للحضرة الملكوتّية، بخلاف النبيّ وسائر البشر. وهو من باب التحسين
1 / 108