قال بعض العلماء: "الكذب قد يكون واجبَا إِذا تضمّن واجبًا؛ كإِنقاذ وليّ أو مظلومٍ مِن قتلٍ أو ظُلمٍ. وقد يكون مندوبًا، كالإصلاح بين الناس. وقد يُباح، لاستصلاح الزوجة. وما عدا ذلك منه، فهو حرامٌ قبيحٌ شرعًا، للنصوص فيه".
[المعدوم شيءٌ، أو ليس بشيءٍ]
ومنها أنّ المعدوم ليس بشيءٍ عند الجمهور، وعندهم هو شيءٌ. حتى قال أبو هاشمٍ: "هو ذاتٌ ونفسٌ وجوهرٌ وعرَضٌ". لكن لم يقُم العرَضُ بالجوهر عنده أزلًا. وخالَفَه أبو يعقوب الشحّام، فأثبت ذلك. ومذهب جمهورهم أنّ المعدوم شيءٌ، وليس بذاتٍ؛ والقدرة القديمة إِنما تؤثّر في جعلِه شيئًا؛ إذ هو تحصيلُ الحاصل. وعلى رأي أبي هاشمٍ والشحّام، إِنما تؤثِّر في إِظهاره بعد الخفاء، لا في إِيجداه بعد العدم. أو لعلّهما من القائلين بالحال، وهو الواسطة بين الوجود والعدم، وهي الثبوت. إِذ الثبوت عندهم ليس وجودًا ولا عدمًا. والثابت لا موجود ولا معدوم لأنهم يقولون: "المعدوم، كطلوع الشمس غدًا مثلًا، متميّزٌ عن غيره قطعًا؛ وكلّ متميّزٍ ثابتٌ؛ فالمعدوم ثابتٌ". والقدح في المقدّمة الأولى بأنّه متميّزٌ في الذهبن، لا في الخارج؛ وهو غير مجدٍ، إِذ الكلام في الأحكام الخارجيّة. فعلى رأي القائلين بالحال، يكون تأثير القدرة في نقله عن الواسطة إِلى أحد الطرفين، وهو الوجود. والذي حملهم على هذه التمويهات كونُ العقل لا يُدرِك إِيجادَ شيء لا من شيءٍ. وهو هَرَبٌ من التحسين والتقبيح، أو مُشبِهٌ له. فمالت بهم نزعةٌ فلسفيّةٌ، فقالو بقِدم العالم.
[قولهم: "إِنّ البنية شرطٌ في الكلام"]
ومنها قولهم، إِنّ البنية شرطٌ في الكلام، قياسًا على الشاهد. فلا جرم نفوا أنّ الله متكلّمٌ بحرفٍ وصوتٍ، كما يقول بعضُ أهل السنّة. وقد سبق نفيُهم لكلام النفس الذي أثبته الأشعريّةُ. وإِنما قالوا: "القرآن كلام الله، بمعنى أنّه خلَقَه في جسمٍ ما، فأُضيفَ إِليه إِضافةَ خلقٍ وفعلٍ، لا إِضافة صفةٍ وقولٍ". وكذلك التزموا جوازَ أن يُشتقّ للشيء اسمٌ من معنًى قام بغيره. لأنّ عندهم الكلام قام بغير الله. واشتُقّ لله منه اسمُ
1 / 107