Indication de forme: étude en esthétique formelle et une lecture du livre d'art
دلالة الشكل: دراسة في الإستطيقا الشكلية وقراءة في كتاب الفن
Genres
هو الشكل الذي نظفر من ورائه بحس بالواقع النهائي.»
هذه هي الفرضية الميتافيزيقية باختصار شديد، دفع بها كلايف بل بتحرز وتردد ينمان عن حنكة منطقية وتواضع فلسفي. على أن ما همس به بل همسا قد صادف فيما بعد من يصدع به ويعلنه بحسم وتوكيد، فهذا فيدلر
Fiedler
يؤكد أن أعمال الفن البصري تجسم في موضوعات عينية صورة قائمة بذاتها من صور التجربة الحسية، وهناك أشخاص ممتازون قد جادت عليهم الطبيعة بمنحة نادرة، فوهبتهم من رهافة الحس ورقة الشعور ما يستطيعون معه أن يحققوا ضربا من الاتصال المباشر بالطبيعة، ومثل هؤلاء الأشخاص لا يدركون من أي موضوع من الموضوعات بعض العلاقات الجزئية المنبعثة من بعض التأثيرات المحدودة، بل هم يدركون - على العكس من ذلك - صميم وجود الموضوع؛ وبالتالي فإنهم يشعرون به ككل قبل أن يعمدوا إلى تجزئة هذا الشعور العام وإحالته إلى بعض الإحساسات المنفصلة. ويبين هربرت ريد أن الإنسان حين يقدم على إبداع أي عمل فني، فإنه إنما يقبل على معركة يصارع فيها الطبيعة، ولكن لا من أجل وجوده المادي، بل من أجل وجوده الذهني. ومن هنا فإن بداية العمل الفني ونهايته إنما تكمنان في عملية إبداع الأشكال أو الصور التي يستطيع الفنان من خلالها الوصول إلى قلب الوجود! وليس من شأن الفنان أن يخلق عالما ثانيا يضعه إلى جوار ذلك العالم الآخر الذي يوجد بذاته دون حاجة إلى نشاط الفنان، وإنما يجيء الفن فيقدم لنا العالم نفسه وقد أعاد خلقه الوعي الفني، وكأنما هو قد صنع خصيصا من أجل الفنان وبفضل الفنان! وهذا كارل ياسبرز يقول: إننا لا نكون خبرة صحيحة عن الطبيعة والإنسان، اللهم إلا حين نلتقي بهما في صميم ماهيتهما على نحو ما تكشف لنا عنها فنون النحت والرسم والتصوير.
3 (1) بين الفرضية الميتافيزيقية والمحاكاة الأرسطية
إن فرضية بل الميتافيزيقية بمثابة عقد رباط وثيق بين الفن والحياة، قد يظن «ردة» إلى نظرية المحاكاة، وعودة صاغرة إلى حظيرة أرسطو بعد تمرد طفولي على المعلم الكبير، والحق أن الفرضية الميتافيزيقية تحمل شبهة التناقض مع الفرضية الإستطيقية، ولكن لا تناقض هناك إلا لمن يخلط الأمور، ويقع في الخطأ المقولي الذي ألمعنا إليه آنفا؛ فقد فصل بل فصلا صارما بين نطاق الإستطيقا ونطاق الميتافيزيقا، وجعل كل حديث ميتافيزيقي شيئا خارجا عن الموضوع من الوجهة الإستطيقية، ونفى نفيا قاطعا أن يكون حديثه عن علاقة الفن بالحياة تتمة لنظريته الإستطيقية، إنه حقا يتلقى على أرض الميتافيزيقا بالمحاكاة الأرسطية، محاكاة الماهيات، غير أن هذا اللقاء العابر القلق لا يمس الإستطيقا الشكلية من قريب أو بعيد.
يقول رولو ماي
R. May ، عالم النفس والمفكر الوجودي الأمريكي، في كتابه «شجاعة الإبداع»: إن الإبداع يحدث «في فعل من المواجهة»، بذلك يكون ماي قد دخل هو أيضا أرض الميتافيزيقا ليرتحل، على حد تعبير كلايف بل، في مناخ غير مستقر، ويردف ماي: «ها هو سيزان يرى شجرة، إنه يراها بطريقة لم يرها بها أحد من قبله قط، والتجربة التي يمر بها، والتي من الممكن أن يقول عنها بلا ريب هي «أن الشجرة قد أطبقت عليه.» شموخ الشجرة وتسامقها وانتشارها الحاني الأمومي، والتوازن الرقيق في تشبثها بالأرض، كل هذا، وكثير غيره، من سمات الشجرة قد امتصها إدراكه الحسي، وشعر بها من خلال بنيته العصبية كلها، وهذا كله شطر من الرؤية التي تجتازها تجربته، هذه الرؤية تقتضي حذفا لبعض جوانب المشهد وتوكيدا أكبر على جوانب أخرى، وما ينتج عن إعادة ترتيب هذا كله، غير أنه أكثر من مجموع هذا كله، ويأتي في المقام الأول أن الرؤية لم تعد الآن شجرة، بل «الشجرة»؛ ذلك أن الشجرة العينية التي نظر إليها سيزان قد تشكلت فأصبحت ماهية الشجرة، ومهما تكن رؤيته أصيلة لا تتكرر، فما برحت رؤية للأشجار جميعا أطلقتها مواجهته لهذه الشجرة الجزئية المعينة، وهذا التصوير، الذي يصدر عن هذه المواجهة بين إنسان هو سيزان وواقع موضعي هو الشجرة، هو مواجهة جديدة وفريدة وأصيلة بمعنى الكلمة، فها هو شيء يولد، يأتي إلى الوجود، شيء لم يكن له وجود من قبل، وهذا تعريف جيد للإبداع نستطيع أن نضع عليه أيدينا، وكل من يأتي بعد ذلك ليشاهد اللوحة بشدة في الوعي، ويتركها تتحدث إليه، سيرى الشجرة بالحركة القوية الفريدة، وبالحميمية بين الشجرة والمنظر الطبيعي، والجمال المعماري الذي لا يوجد بمعنى الكلمة في علاقتنا بالأشجار حتى جاء سيزان بتجربته ورسمها، وأستطيع أن أقول بلا مغالاة إنني لم أشاهد قط شجرة حقا حتى رأيت واستوعبت رسوم سيزان لها.»
4
قبل أن يخلص كلايف بل إلى فرضيته الميتافيزيقية كان يسأل الفنانين عن طبيعة عملهم، فقال له مرة واحد من أعظم الفنانين إن ما يحاول أن يعبر عنه في لوحة فنية هو «فهم انفعالي للشكل»، وقد طالما حير بل هذا «الفهم الانفعالي»، حتى ظفر بمعناه بعد حديث كثير مع الفنانين وإصغاء أكثر، ولعل ما حير بل هو أننا درجنا على أن الفهم يكون بالعقل، وأن العقل نقيض الانفعال؛ ومن ثم فإن علينا لكي نفهم شيئا ما فهما موضوعيا أمينا أن نكبت انفعالنا نحوه أو نحيده، غير أن رولو ماي يبدهنا بعكس ذلك فيقول: «لقد كنا ننحو إلى أن نضع العقل في مقابل الانفعالات، وافترضنا نتيجة لتضخم زائد في هذه القسمة أننا نتمكن من ملاحظة الشيء بدقة أكثر لو استبعدنا انفعالاتنا، أعني أننا سنكون أقل تحيزا لو أن انفعالاتنا لم تتدخل على الإطلاق في الموضوع الذي بين أيدينا، وأنا أعتقد أن هذا خطأ فادح؛ إذ توجد الآن بيانات في استجابات رورشاخ
Page inconnue