Indication de forme: étude en esthétique formelle et une lecture du livre d'art
دلالة الشكل: دراسة في الإستطيقا الشكلية وقراءة في كتاب الفن
Genres
يرى السوقة أن الفنان رجل ذاهل جدا، لأنه متيقظ جدا لما نحن ذاهلون عنه، إننا نبتذل الوجود ونسطحه، ونشيح عنه كأننا سنزوره ألف مرة، فلا ننظر الأشياء ذاتها بل نقرأ بطاقاتها، ونرى إليها بعين الغرض فلا نرى غير تصنيفاتها التي أعدتها لنا سلفا ثقافتنا المحلية، إننا ننظرها باللغة، واللغة تطمس الفروق وتسرق «فردية» الأشياء وتحيلها إلى فئات عامة وأنماط كلية، ينصب «اللفظ» وجهه بيننا وبين «الشيء» فيحجبه عنا، فلا نرى منه غير الاسم والغرض (وإلا لكنا جميعا رسامين ومثالين).
ولا تكتفي الألفاظ بأن تقف حائلا بيننا وبين الأشياء، بل تقف أيضا حائلا بيننا وبين أنفسنا! إن مشاعرنا وانفعالاتنا الذاتية لتفلت هي أيضا من قبضتنا، فنحن لا نعرفها على وجه التحديد - لا نلمس تعاريجها الدقيقة ولا نسبر أعماقها الغائرة ولا نتبين قسماتها الفردية وملامحها الشخصية، ولا ندرك منها إلا جانبها التقريبي غير الشخصي ووجهها العام الشائع الذي تسنى للغة أن تلتقطه وتسجله (وإلا لكنا جميعا شعراء وروائيين وموسيقيين).
إن الحياة العملية، كما يقول برجسون، تلقي بنا في عالم نفعي يقوم على بعض الرموز والدلالات العامة، من شأنها أن تسلب منا فردية الأشياء وفرديتنا، وينقضي وجودنا في منطقة محصورة ضيقة لا هي بالذات ولا هي بالعالم الخارجي، بل هي - على وجه التحديد - منطقة متوسطة بيننا وبين الأشياء، هي منطقة التعامل مع الواقع، يقول برجسون: «لقد عملت المصادفات السعيدة على ظهور أناس تبدو حواسهم وشعورهم أقل التحاما بالحياة، وكأن الطبيعة قد نسيت أن تربط ملكة الإدراك الحسي عندهم بملكة الفعل والتصرف، وهؤلاء حينما ينظرون إلى شيء فإنهم لا يرونه لأنفسهم، بل لنفسه هو! وهم لا يدركون لمجرد العمل والتصرف، بل يدركون للإدراك ذاته، أعني لغير ما غاية، اللهم إلا المتعة وحدها، وهم يولدون منفصلين - في جانب من جوانبهم، سواء أكان هذا الجانب هو إحدى الحواس أم هو الشعور نفسه - عن الواقع أو الحقيقة الخارجية، وبالتالي فإنهم يولدون مصورين أو مثالين أو موسيقيين أو شعراء.»
6
الفصل الثالث
الفن معرفة وكشف
قليلة هي الأشياء الهامة التي تقبل البرهان، فالأشياء الهامة إنما يتوجب أن يحس بها ويعبر عنها.
كلايف بل (1) لذة أم معرفة؟
تأتي الخبرة الإستطيقية دائما مصحوبة بصنف معين من اللذة، غير أن اللذة ليس كل شيء في الخبرة الإستطيقية، بل إن هناك اتجاها عارما في العصر الحديث نحو تعريف الفن في حدود «المعنى» و«الدلالة»، بدلا من اختزاله إلى خبرة تبعث اللذة أو تشبع الحواس، فالفن أخطر من اللذة، ومهمة الفنان أجل من مجرد «تجهيز لذات»، لقد صرنا نجد لدى عامة الجمهور انصرافا عن القيم الفنية الرفيعة، وصرنا نجد لدى كبار الفنانين اتجاها قويا نحو إدخال عناصر «التنافر»
dissonance
Page inconnue