Cinaya Sharh Hidaya

Al-Bābartī d. 786 AH
61

Cinaya Sharh Hidaya

العناية شرح الهداية

Maison d'édition

شركة مكتبة ومطبعة مصفى البابي الحلبي وأولاده بمصر وصَوّرتها دار الفكر

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٣٨٩ هـ = ١٩٧٠ م

Lieu d'édition

لبنان

(النِّفَاسُ) لِلْإِجْمَاعِ. قَالَ «وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَعَرَفَةَ وَالْإِحْرَامِ» نَصَّ عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَقِيلَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَسَمَّى مُحَمَّدٌ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَسَنًا فِي الْأَصْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ ﵀: هُوَ ــ [العناية] الْخُرُوجَ عَنْ الْحَيْضِ يُوجِبُ الْغُسْلَ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ مَا دَامَ بَاقِيًا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ، وَالْخُرُوجُ عَنْ الْحَيْضِ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ فَوُجِدَ الِاتِّصَالُ فَصَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ، وَعُزِيَ هَذَا إلَى الْإِمَامِ حُمَيْدِ الدِّينِ، وَفِي الْكُلِّ نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْحَيْضَ اسْمٌ لِلدَّمِ مَخْصُوصٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَوْهَرَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْمَعْنَى، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الِانْقِطَاعَ طُهْرٌ وَالطُّهْرُ لَا يُوجِبُ الْإِطْهَارَ، وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا لِوُجُودِ الْحَيْضِ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ وَوُجُودِ الِانْقِطَاعِ بَعْدَهُ فَكَانَ أَحَدُهُمَا مُنْفَكًّا عَنْ الْآخَرِ فَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ انْقِطَاعِهِ يُفِيدُ الشَّرْطِيَّةَ لَا الْعِلِّيَّةَ، وَكَذَا الْخُرُوجُ عَنْ الْحَيْضِ عِبَارَةٌ عَنْ انْقِطَاعِهِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا وَرَدَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ خُرُوجُ الْحَيْضِ وَهُوَ الدَّمُ الْمَخْصُوصُ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ خُرُوجَ النَّجَسِ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ يُوجِبُ تَطْهِيرَ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَاكْتَفَى بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِيمَا كَثُرَ وُقُوعُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَوُقُوعُ الْحَيْضِ لَيْسَ بِكَثِيرٍ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ كَخُرُوجِ الْمَنِيِّ فَكَانَ مَجَازًا بِالْحَذْفِ مِنْ بَابِ ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢] إذْ لَا يَلْتَبِسُ أَنَّ نَفْسَ الدَّمِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا. وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] بِالتَّشْدِيدِ عَلَى وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُرْبَانِ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى غَيًّا حُرْمَةَ الْقُرْبَانِ الَّذِي كَانَ حَلَالًا إلَى الِاغْتِسَالِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْتَهِيَ الْحُرْمَةُ بِهِ وَيَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ، وَإِلَّا لَكَانَتْ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، وَفِي ذَلِكَ نَقْضٌ لِمَا شَرَعَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ فَلِأَنَّ الِاغْتِسَالَ لَمَّا صَارَ شَرْطًا لِحِلِّ الْقُرْبَانِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَعَ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِحِلِّ الْقُرْبَانِ عَمَّا سِوَى الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ فَلَأَنْ يُشْتَرَطَ الِاغْتِسَالُ لِحِلِّ الصَّلَاةِ وَالْحَالُ أَنَّهَا شَرْطٌ لَهَا عَنْ جَمِيعِ النَّجَاسَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْحُكْمِيَّةِ دَائِمًا أَوْلَى. وَأَمَّا النِّفَاسُ فَإِنَّمَا وَجَبَ الِاغْتِسَالُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ. قَوْلُهُ: (وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ) بَيَانٌ لِلْغُسْلِ الْمَسْنُونِ (نَصَّ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ (عَلَى السُّنِّيَّةِ) يَعْنِي فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَقَدْ قِيلَ هَذِهِ

1 / 65