شخصيات المسرحية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
شخصيات المسرحية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
Page inconnue
الفصل الرابع
الفصل الخامس
العبرة بالخواتيم
العبرة بالخواتيم
تأليف
ويليام شكسبير
ترجمة
عباس حافظ
موضوع القصة ومن أين اقتبسها شكسبير
بقلم عباس حافظ
Page inconnue
استقى شكسبير موضوع هذه القصة من الأديب الإيطالي بوكاشيو، الذي ألف قصة «ديكاميرون»، وأجراها على نسق كتاب «ألف ليلة وليلة»، وجعلها نوادر تقص تباعا يوما بعد آخر. وفي اليوم الثالث يحكي المؤلف القصة التاسعة، وتكاد في جملتها وجوهرها تماثل مسرحية شكسبير.
وقد اقتبسها الشاعر من ترجمة لبوكاشيو، أصدرها «وليم بينتر» في عام 1566، مع قصص أخرى، جعل عنوانها «قصر اللذات».
وفيما يلي خلاصة القصة كما كتبها بوكاشيو:
كان «إيزناردو» كونت روسيليون، أحد أشراف فرنسا، رجلا اصطلحت العلل عليه، فدعا إليه طبيبا يدعى «جيرادودي ناربونا» ليلازمه ويشرف على تطبيبه. وكان له ولد لم ينجب سواه، فنشأ الغلام وترعرع بجانب ابنة الطبيب: وهي «جيليتا»، فأحبته الصبية ولكنها لم تكاشفه، بل كتمت حبها في صدرها؛ إذ أدركت الفارق الاجتماعي الكبير بينها وبين الأمير الصغير.
وقضى الكونت نحبه، فأصبح ابنه في رعاية ملك فرنسا، بحكم التقاليد؛ إذ كان أبناء الأشراف حين يموت آباؤهم، وهم بعد في سن الحداثة أو مطالع الصبا، يوضعون في حماية الملك ورعايته. فانتقل الفتى إلى باريس ليقيم في البلاط، ولم تستطع «جيليتا» أن تتبعه، ولكنها علمت أن الملك يشكو من «خراج» أليم في الصدر عجز الأطباء عن إبرائه منه، فانتوت الفتاة الاستعانة بوصفة دواء كان أبوها قد تركها من بعده، على علاج الملك من علته. فسافرت إلى باريس، وتمكنت من المثول بين يديه، وإقناعه بتجربة دوائها، فإذا برئ من المرض، كافأها، على جهدها. وقد اشترطت أن يأذن لها في اختيار زوج لها من بين الأمراء الشباب في حاشيته، فرضي الملك ووعدها إذا برئ من علته أن يكون لها ما طلبت.
وقد شفي الملك حقا، وبر الملك بوعده، فدعا إليه الشباب، واختارت «جيليتا» فتاها من بينهم، فغضب «بلترامو» - الكونت الصغير - واستعفى، ولكن الملك أصر على أن تكون له زوجا، فلم يجسر على مخالفة أمره.
ولم يكد يتم الاحتفال بالقران، حتى لاذ الشاب بالفرار إلى «تسكانيا» ليحارب في صف دوق فلورنسا، وكان في قتال حيال أهل مدينة إيطالية أخرى تدعى «سيينا»، بينما رجعت «جيليتا» إلى قصر «روسيليون» حيث استقبلت استقبال «الكونتة» الصغيرة، وعكفت على إدارة ضياع زوجها بحكمة بالغة حتى ظفرت بقلوب الزراع، واكتسبت إعجابهم وبعثت برسولين إلى «بلترامو» ترجو إليه أن يعود، فرد عليها مع الرسولين قائلا: «لتفعل ما تشاء لأني لن أعاشرها حتى تلبس هذا الخاتم في إصبعها، وتحمل بين ذراعيها ولدا تلده مني ...».
واشتد بها الأسى حين عرفت هذين الشرطين، واعتزمت أن تقضي بقية العمر بتولا ناسكة. ثم تزيت بزي الحجاج، وشخصت إلى فلورنسا، حيث عرفت أن «بلترامو» يحب فتاة فقيرة ولكنها طاهرة الجيث عفة، وتقيم مع أمها في المدينة. فذهبت إليهما وقصت عليهما القصص، ووعدت الفتاة مهرا سخيا إذا هي وأمها قبلتا ما هي عارضة عليهما قائلة: «أريد أن توفدا رسولا موثوقا به إلى الكونت لينبئه أن الفتاة تحت أمره، وأنها لكي تستوثق من أنه يحبها دون سواها ترجو أن يرسل إليها خاتما لتلبسه في إصبعها، وهو خاتم سمعت بأنه شديد الاعتزاز به، فإذا أرسله إليها، أخذته أنا منها، وتتولى هي إرسال كتاب إليه تقول فيه إنها لا تتردد في النزول على مشيئته، وتعين له في فحمة الليل موعدا للخلوة بها، فإذا جاء حللت أنا محلها. ومن يدري لعل الله مقبض لي ولدا منه، فيتم ما اشترطه، وهو الخاتم في إصبعي، والولد بين ذراعي، ولعلي بهذا مستردة زوجي بفضلكما ...».
ولكن والدة الفتاة ترددت في بداية الأمر متكرهة، ثم ما لبثت أن أقبلت الفكرة، وحقق الله للزوجة المقصية سؤالها، فولدت منه ولدين، وتكررت الخلوات على الأيام وهو في كل مرة لا يدري أنها زوجه، بل يحسبها المرأة التي أحبها.
وعلم الكونت «بلترامو» أن زوجه قد غادرت قصر أبويه فعاد إليه، في حين لبثت «جيليتا» مقيمة في فلورنسا حتى وضعت «توأميها»، فعادت وهي لا تزال في زي الحجيج إلى القصر في وقت كان الكونت يقيم فيه وليمة كبيرة، فدخلت إلى البهو، وتقدمت نحوه، فجاءت عند قدميه وشرحت له كيف نفذت شرطيه وانثنت قائلة: والآن فلترتضيني لك زوجا إن كنت لوعدك منجزا ...
Page inconnue
وروت له ما جرى، فبهت مما سمع، وتأثر بما علم، وأقبل عليها معانقا راضيا.
وقد ختم بوكاشيو القصة بهذه الكلمات: «ومن ذلك اليوم أحبها وكرمها تكريم زوج لزوجة عزيزة وفية ...».
براعة شكسبير في صياغة القصة والزيادة عليها
ويقول الثقات: إن القصة، كما بدت في ترجمة «وليم بينتر»، لم تكن بارعة في التأدية، ولا رائعة من حيث الأسلوب، ولكن شكسبير التزم حوادثها من حيث هي، ومضى يتوسع في مشاهدها، ويدخل عليها أشخاصا من براعة ابتكاره، وحسن تأديته، وجمال شعره، وروعة حكمته: كشخصية «الكونتة» أم برترام، والأمير الشيخ «لافيه» الثرثار، و«لاهاش» المضحك المهذار، و«بارولس» الجبان الكذاب. فكانت هذه الزيادات التي «طعم» بها شكسبير القصة، تطعيم البستاني الثمار والعيدان والأزهار، أحلى شخصياتها، وأعذب مشاهدها، وأبدع أجزائها المليئة بالحكمة والكلمات الجوامع التي ذهبت مذهب الأمثال.
وقد وضع الشاعر هذه القصة، فيما يقول الرواة، خلال الفترة بين عامي 1958و1608، وهي الفترة التي دخلت فيها عبقريته دور النضوج، وأخرج خلالها طائفة من خيرة رواياته، وروائع آياته، وأكبر الظن أنه كان يريد بها أن تكون أختا لقصة «خاب معي العشاق»، حتى لقد سماها في بداية الأمر: «أفلح معي العشاق»، وإن كانت هذه أرفع من تلك إنتاجا، وأسمى مرتبة، ولا يدري أحد ما الذي حمله فيما بعد على تغيير عنوانها، وإن كان المرجح أنه وجد في عنوانها الحالي مثلا سائرا في أيامه، فاعتقد أنه أرعى للأنظار وأجلب للشهرة، فاختاره.
وقد رأيناه يجعل المحور الجدي في هذه الرواية «الفكهة»، يدور حول «هيلين» التي كرهها زوجها من ساعة قرانه بها، ترفعا عنها، وتساميا بمكانه الرفيع عن مكانتها، فاحتملت مرارة الخيبة. وما زالت بلطف حيلتها، وفضل ذكائها وفطنتها، حتى استعادته في النهاية، فكانت العبرة بالخواتيم كما آثرنا أن ندعو القصة بهذا العنوان.
وقد أراد شكسبير في تصويره لشخصية هيلين على هذا النحو أن يدلل على أن حب المرأة وصبرها ينتصران في النهاية على سوء استغلال الرجل لقوته وسلطانه. وإن شهدنا قصصا أخرى لا عداد لها، تذهب غير هذا المذهب، فتصور المرأة في صورة الماكرة، الخداعة، الخلية من الثبات والصبر والوفاء.
وكان خيرا لشكسبير أن ينسب ذلك الحوار الطويل الذي دار بين «بارولس» في الفصل الأول وبين هيلين عن «العذرة» واستمساك العذارى بعفافهن، وترددهن في أمر الزواج، إلى شخصية أخرى غير ذلك «الماجن» الكذوب الدعي. ولكنه مع هذا ضمنه كلاما بديعا، ومجونا بارعا، وفلسفة فكهة، ترضي السامعين والقارئين؛ وإن رأى بعض النقاد أنه كان أولى بحذف المشهد من الرواية بجملته.
أما شخصية الأم - وهي الكونتة العجوز - فقد أجاد الشاعر في رسمها أبلغ الإجادة، وقد رأيناه في أكثر من قصة يضفي على الأمهات وأمثالهن لونا من الوقار يأخذ بالألباب، ولا يجعل الفتنة والإعجاب وقفا على الغواني والشواب الحسان. وإن نصائح هذه الأم الرءوم لابنها قبل انتقاله إلى البلاط، لهي - على إيجازها - أدنى من حيث الحكمة والروعة إلى حديث الحكيم بولونيوس مع «لايرت» في قصة «هملت».
ويبدو الملك في روايتنا هذه مع مرضه فيلسوفا، صادق النظرة؛ فإن الحوار الذي دار بينه وبين الشاب «برترام» بسبيل اعتزازه برفعة المنبت، وعراقة المحتد، قطعة ملأى بالقوة وأصالة الرأي.
Page inconnue
أما شخصية «بارولس»، فهي صورة فذة منقطعة النظير؛ فقد صوره الشاعر، رقيعا، كذابا، رعديدا، مدعيا ما ليس فيه، حتى ليستثير منا الرثاء له حين يفتضح أمره، وتنكشف خليقته، على فرط هذه المعايب التي تجتمع فيه، وتنتزع منا الضحك والسخرية منه، وحين يصفه الأمير الشيخ الماجن «لافيه» بقوله: «لا يمكن أن تكون في هذه البندقة حبة، فإن كل روحه هي ثيابه».
ولسنا ننسى شخصية «المهذار» في هذه القصة، فهو ناحية بمفردها من نواحيها الفكهة، ولا سيما حين يقول: «إن لديه جوابا يصلح لكل الأسئلة»، وحين ينطلق في نكاته البارعة، وتورياته المتقنة، ومجونه البديع.
وعند تقدير مفاتن هذه المسرحية، لا يصح أن نغفل الإشارة إلى ذلك المشهد الفاتن الذي يخلو فيه الشاب النبيل «برترام» بالفتاة «ديانا»؛ لإغرائها بالاستجابة إلى غزله، والاستماع إلى نداء شهوته. ولا نحسب ثمة مقالا في طهارة العذارى، والحرص على العرض والحفاظ، أروع ولا أبلغ من مقالها وهي تحاجه وتأبى مطاوعة رغبته. ولا نعتقد أن هناك نصيحة إلى الفتيات الحسان، والعذارى المليحات، أسدى ولا أحجى مما جرى على شفتيها، حتى ليتجاوز في جلاله كل ما كتبه الفلاسفة أو قاله الحكماء.
لقد كان شكسبير في جملة رواياته «معلم أخلاق»، فمن قرأه بغير نظر إلى هذه المزية فيه، لم ينتفع به، وفاته «المفتاح» الذي يفتح له الطريق إلى مغاليق هذه الحكمة المستترة في هزله ودعايته.
وقد لا تخلو هذه القصص الروائع من عبارات «مكشوفة» أو أفكار جافية، ولكن لا يستطيع أحد أن يعثر خلالهن على «مبادئ» خاطئة، أو نظرات تصطدم بكرائم الأخلاق ...».
شخصيات المسرحية
ملك فرنسا.
دوق فلورنسا.
برترام كونت رسيون.
لافيه:
Page inconnue
لورد متقدم في السن.
بارولس تابع لبرترام.
رئيس الخدم في قصر الكونتسة روسيون.
مهرج.
السيد ج. ديمان.
السيد ب. ديمان.
وصيف.
الكونتسة روسيون:
أم برترام.
هيلين:
Page inconnue
فتاة في رعاية الكونتسة.
أرملة عجوز:
فلورنسا.
ديانا:
ابنتها.
فيولنتا وماريانا:
من جيران الأرملة وصديقاتها.
الفصل الأول
المشهد الأول
روسيون - حجرة في قصر الكونتسة (يدخل برترام والكونتسة روسيون، وهيلين، ولافيه. وهم جميعا في ثياب الحدود.)
Page inconnue
الكونتسة :
إنني بانتزاع ولدي مني - أدفن زوجا ثانيا.
برترام :
وأنا يا سيدتي بذهابي أبكي أبي مرة أخرى، ولكن يجب أن أمتثل لأمر جلالته؛ لأنني الآن تحت وصايته، بل أكثر من ذلك في خضوع لمشيئته.
1
لافيه :
ستجدين في الملك يا سيدتي زوجا، وأنت يا سيدي واجد فيه أبا. فمن كان مثله خيرا مكرما للناس أبدا، لا بد مظهر فضله نحوك، مكرم بالضرورة لك. وكونك العلا لهذا يدعو إلى تكريمك حتى من كان من الفضل خليا، فكيف وهو كثير الأفضال موفور المحامد والخلال.
الكونتسة :
وهل من أمل في برء جلالته ...
لافيه :
Page inconnue
لقد يئس أطباؤه يا سيدتي، بعد أن بدد بالأمل الزمان، تحت علاجهم، ولم يجد منه نفعا، غير فقدان الأمل على الأيام.
2
الكونتسة :
لقد «كان» لهذه السيدة أب - أواه، من كلمة «كان» هذه. ما أقسى ذلك الحادث، وكانت براعة طبه تكاد في عظمتها تبلغ مبلغ صدقه ونزاهته، ولو امتد الأجل بها إلى أيامنا، لجعلت الطبيعة البشرية متأبية على الفناء، ولذهب الموت يرتع ويلعب، لتبطله من العمل وفراغه، ليته من أجل الملك كان حيا! ولو كان لكان في حياته في أغلب ظني، موت مرض الملك وهلك علته.
لافيه :
وماذا كان اسم الرجل الذي تتحدثين عنه يا سيدتي ...
الكونتسة :
لقد كان علما يا سيدي في مهنته، وله الحق كل الحق في أن ينال ما نال من الشهرة، لقد كان يدعى «جيرار دي ناريون».
لافيه :
لقد كان في الحق رجلا ممتازا، وقد ذكره الملك من عهد قريب بإعجاب به، وأسى عليه، ولو استطاع العلم أن يغالب الموت، لكانت براعته كافية لأن يبقى حيا أبد الدهر.
Page inconnue
برترام :
ومم يشكو الملك وتذوى صحته يا سيدي الكريم ...
لافيه :
وددت أنك لم تسمع به الآن أو تعرفه، هذه السيدة ابنة جيرار دي ناريون.
الكونتسة :
وحيدته يا سيدي، وقد عهد بها إلى عنايتي، وإن تربيتها لتبشر بالخير الذي أرجوه لها، إن الميول والمنازع التي ورثتها لتجعل مواهبها الجميلة أكثر جمالا وبهاء، وتبدي السجايا الحسان أشد حسنا ورواء، وحيث يحمل العقل الخلي من النقاء، فضائل وحسن خلال، تكن المدائح أسفا لها ورثاء، وهي في هذه الحقائق تكون فضائل، وسجايا حسنة، وهي أيضا غوادر وخونة، أما عندها، فإن بساطة فضائلها، تزيدها فضلا، لقد ورثت الوفاء، واكتسبت بنفسها الطيبة.
لافيه :
إن مديحك يا سيدتي يسيل دموعها.
الكونتسة :
إن الدموع لهي خير ملح «تتبل» به العذراء المديح الموجه إليها، إن ذكرى أبيها لا تكاد تقترب من قلبها، حتى تستبد بها الأحزان فتنزع كل سمات الحياة من خديها. حسبك يا هيلين وكفى دمعا، لئلا يظن أنك تتصنعين الحزن تصنعا، لا أنك.
Page inconnue
هيلين :
إني، حقا، أظهر الحزن ولكنني أكنه أيضا.
لافيه :
إن الحزن المعتدل حق للموتى، ولكن الأسى المفرط عدو للأحياء.
الكونتسة :
وإذا كان الأحياء للحزن أعداء، فإن الإفراط فيه لا يلبث أن يودي بالحياة.
برترام :
سيدتي، أتمنى دعواتك الطاهرة.
لافيه :
كيف نفهم هذا.
Page inconnue
3
الكونتسة :
بوركت يا برترام، ولتخلف أباك خلقا وفضلا، كما خلفته صورة وشكلا، إن الدم الذي يجري في أعراقك، والفضيلة التي تزين أخلاقك، تتنازعان السلطان عليك، وطيبتك تتفق مع ما ورثته بمولدك، أحبب الجميع، ولا تثق إلا بالقليل، ولا تظلم أحدا ... ولتكن لك مثل قدرة عدوك، ولكن اجعل قدرتك عليه بأسا وسلطانا، ولا تستخدمها في إيذائه، وصن صديقك واحرص عليه، بقفل حياتك ومفتاحها، ولأن تعاب على الصمت، خير لك من أن تعاب على الكلام، وليكن لك ما تشاء السماء من زيادة في الفضل، وما في دعواتي من قطوف الأمل، وداعا يا سيدي، إنه سيكون في بلاط الملك غير مجرب فكن له ناصحا.
لافيه :
لن يعوزه خير ما يسديه الحب من نصح.
الكونتسة :
ليباركه الله ... وداعا يا برترام. (تخرج الكونتسة.)
برترام (لهيلين) :
لتكن أطيب ما في خاطرك من أماني، سعاة في خدمتك أرعى أمي مولاتك، وزيديها منك ولاء.
لافيه :
Page inconnue
وداعا أيتها الغادة الحسناء، وصوني لأبيك الفضل وحسن الثناء. (يخرجان.)
هيلين (وحدها) :
لو كان هذا كل ما هنالك لما فكرت في أبي، وإن هذه العبرات الغزار لتزيد ذكراه جلالا، أكثر مما ذرفت من قبل من عبرات، ترى كيف كان سمته؟ وكيف كانت صورته، لست أدري فقد نسيته، ولم يعد في خيالي شيء من ملامحه، بل كل ما بقي فيه هو صورة برترام ... الويل ويلي، لا حياة لي، وبرترام بعيد عني، إن حبي إياه كحبي نجما متلألئا، إن علي أن أقنع بمشهد سنائه وخاطف ضيائه، دون المقام في أفقه والعيش في نوره الساطع، إن ما في حبي من طموح لهو سبب ما ألاقيه في هذا الحب من بلاء، فالغزالة التي تطمع أن تقترن بالليث، يقتلها حتما هذا الحب، وكان جميلا، وإن بدا أليما، أن أشهده في كل ساعة ، وأن أجلس فأنقش حاجبيه المقوسين وعينه الحديدة، كعين الصقر، وغدائره، على صفحة الفكر، ولوح القلب، ذلك القلب القدير على تصوير كل معالم محياه، ورسم كل فتنة من عذوبة حسنه، وها هو ذا الآن قد ذهب، وعن العين احتجب، فليقدس خيالي الوثني العابد، وخاطري الراكع الساجد، صوره وآثاره، أشد التقديس ... من هذا القادم؟ (يدخل بارولس.) (لنفسها)
أحد الذين سيرافقونه، إنني أحبه لأجل خاطره، وإن كنت أعرفه كذابا مشهورا بكذبه، وأحسبه مهذارا إلى حد كبير، وجبانا من كل نواحيه، وإن كانت هذه المساوئ هي جزء من كيانه، حتى لتبدو طبيعية فيه، وعلى حين يبدو التزمت في الفضيلة رياء ونفاقا، وكثيرا ما نشهد العاقل الرقيق الحال في خدمة الأحمق الظاهر الحماقة.
بارولس :
سلام لك أيتها الملكة الحسناء.
هيلين :
سلام عليك أيها الملك.
4
بارولس :
Page inconnue
لا ...
هيلين :
ولا مثلها.
بارولس :
هل تعتزمين أن تبقي عذراء بلا زواج.
هيلين :
أجل - إن فيك شيئا من صبغة الجندي ولونه، فدعني أسألك إن الرجل عدو للعذرة، فكيف نحصنها من شره.
بارولس :
بإبعاده.
هيلين :
Page inconnue
ولكنه أبدا مهاجم. وعذرتنا على شجاعتها، ضعيفة في الدفاع عن ذاتها، فهلا كشفت لنا عن شيء من وسائل المقاومة القوية.
بارولس :
ليس ثمة وسائل، إن الرجل منا ليرابط قبالتكن، فيقوض كيانكن وينسفكن نسفا.
هيلين :
حمى الله عذرتنا المسكينة من المقوضين والناسفين، أليس ثمة سياسة حربية مرسومة، تمكن العذارى من نسف الرجال.
بارولس :
لا تكاد العذرة تهوي حين ينسف الرجل حطاما، إن الاحتفاظ بالعذرة ليس من سياسة الطبيعة ولا صالحها، إن فقدانها ربح معقول، وزيادة حكيمة، وما من عذراء تولد، إلا بعد أن تضيع العذرة أولا وتفقدها، إنكن قد صنعتن من معدن يصنع بذاته العذارى، فإن فقدت العذرة مرة، فقد تسترد عشر مرات، والحرص عليها مضيعة لها، إنها لرفيق بارد، فلنتخل عنها.
هيلين :
سأحرص «قليلا» عليها، وإن مت عذراء.
بارولس :
Page inconnue
لا يكاد يوجد ما يقال في الدفاع عنها، إنها ضد ناموس الطبيعة وشريعتها، إن امتداح العذرة هو اتهام منكن لأمهاتكن، وهو عقوق لا ريب فيه، إن العذراء التي تأبى الزواج هي كالرجل الذي يشنق نفسه، ذلك أن العذرة تقتل نفسها، وأولى بها أن تدفن في الطرق العامة بعيدة عن كل مكان مقدس
5
لأنها أجرمت إجراما شديدا في حق الطبيعة، إن العذرة دود في ذاتها، أشبه ما تكون بالجبن، وتأكل نفسها حتى القشرة، وهكذا تموت مالئة بطنها من غذاء لحمها وطعام جسمها، والعذرة إلى جانب ذلك كله شرسة، متعجرفة، متبطلة، صنعت من الأثرة وهي أشد الذنوب في الشريعة تحريما، فلا تمسكيها عليك، لأنك حتما بها خاسرة، اخرجي منها تجديها بعد سنة واحدة قد ضاعفت نفسها ضعفين، وهي زيادة كريمة، ولن تكون يومئذ أسوأ حالا مما هي ... تخلي عنها.
هيلين :
وكيف تفعل العذراء يا سيدي لكي تفقدها كما تحب؟
بارولس :
دعيني أفكر، في الحق أن من الشر أن ترضى بمن لا تحب، إن العذرة سلعة تفقد بريق جدتها بطول البقاء، وكلما طال أمد الاحتفاظ بها، قل قدرها، وبخس ثمنها، هلمي تخلصي منها وهي لا تزال قابلة للبيع. أجيبي الطلب في وقته، ولي السؤال في حينه، إن العذرة كرجل الحاشية المسن، ترتدي قبعة من طراز انتهى زمانه، وقدم حينه، ولئن صنعت من قماش جيد، فإنها مع ذلك غير مناسبة لزمانها، كمشبك الصدر وفرشاة الأسنان
6
لم يعودا يلبسان الآن، إنه لأفضل أن تكون تمرة
7
Page inconnue
في كعكتك وفطرك، منها على خدك، وإن عذرتك إذا طال عليها الدهر لأشبه بالكمثرى الفرنسية الذابلة، تبدو في الشكل القبيح، وفي المذاق ممجوجة، وهي في الحق كمثرى ذاوية عفنة، وكانت فيما مضى خيرا مما هي، ولكنها في الحق كمثرى ذاوية، فماذا تصنعين بها؟
هيلين :
ولكن عذرتي لم تبلغ هذا الحد بعد، إنك لذاهب إلى بلاط
8
الملك حيث مولاك وأجد ألف حب، أما، وخليلة، وصديقا، وعنقاء، وقبطانا، وعدوا، ومرشدا، وربة، وملكا، ومشيرا، وخائنة، وغالية عزيزة، وطموحا ذليلا، وضعة متكبرة، ووفاقا متنافرا، وتنافرا موافقا، وإيمانا، ومرارة حلوة، وعالما من حسان غريرات، ذوات أسماء مختارة، وألقاب مصطفاة ينعم بها عليهم كيوبيد الأعمى الذي يرعاهن ويتبناهن،
9
والآن فلست أدري ماذا سيفعل ، فليحسن الله وفادته، إن البلاط معهد للتعلم، وهو ...
بارولس :
وهو ماذا بالله ...؟
هيلين :
Page inconnue
من أتمنى له الخير للأسف ...
بارولس :
للأسف مم ...
هيلين :
إن أتمنى الخير لا شيء فيه يمكن أن يحس، وإننا معاشر المنحوسين من مولدنا، تحتجرنا كواكب نحوسنا في خوالج نفوسنا وأمانينا
10
وقد نتبع أصدقاءنا، من تأثير كواكبنا، ونبدي ما نحن وحدنا نفكر فيه ونراه، فلا نجد شكرا عليه ولا عرفانا. (يدخل غلام.)
الغلام :
إن مولاي يدعوك يا سيد بارولس. (ينصرف.)
بارولس :
Page inconnue
وداعا يا هيلين الصغيرة، سأفكر فيك! إذا استطعت في البلاط أن أتذكرك.
هيلين :
يا سيد بارولس، لقد ولدت تحت كوكب سعد.
بارولس :
أنا كوكبي المريخ.
11
هيلين :
رأيي الخاص أنه كذلك.
بارولس :
ولم يكون المريخ كوكبي؟
Page inconnue
هيلين :
لأن الحروب شغلتك إلى حد لا مفر معه من القول إنك ولدت تحت كوكب المريخ.
بارولس :
وهو في أوجه.
هيلين :
بل أظن في تراجعه.
12
بارولس :
ولماذا تظنين هذا؟
هيلين :
Page inconnue