7
بعد تحليله السابق لرأس المال والقيمة الفائضة الثابتين والمتغيرين، إلى النتيجة الآتية: «ليس كل مبلغ من المال، أو من القيمة، قابلا للتحويل كما نشاء إلى رأسمال، بل إنه لا بد لإحداث هذا التحويل من افتراض وجود حد أدنى معين من المال، أو من القيمة التداولية، بين يدي مالك المال أو السلع».
وهو يضرب بعد ذلك مثلا بحالة عامل في أي فرع من الصناعة، يعمل ثماني ساعات لنفسه - أي في إنتاجه لقيمة أجره - ويعمل الساعات الأربع التالية لصاحب رأس المال، في إنتاج قيمة فائضة، تنساب فورا إلى جيب صاحب رأس المال. في هذه الحالة يكون على صاحب رأس المال أن يملك كمية من القيمة تكفي لتمكينه من إمداد عاملين بالمواد الخام وأدوات العمل والأجور، لكي يستطيع أن يحصل كل يوم على كمية من القيمة الفائضة تمكنه من أن يعيش عليها في نفس مستوى عامليه على الأقل. ولما كان هدف الإنتاج الرأسمالي ليس مجرد العيش الضروري، وإنما زيادة الثروة، فإن صاحبنا هذا لن يكون بعامليه رأسماليا. ولكي يعيش على مستوى أفضل مرتين من العامل العادي، ويخصص نصف القيمة الفائضة الناتجة ليستخدمها رأسمال، فعليه أن يوظف ثمانية عمال؛ أي إن عليه أن يملك أربعة أمثال القيمة المذكورة من قبل. وبعد هذا فقط، ومن خلال شروح أخرى أوضح بها ماركس وأثبت أنه ليست كل كمية صغيرة من القيمة كافية للتحول إلى رأسمال، وإنما يتفاوت الحد الأدنى اللازم تبعا لكل مرحلة في التطور ولكل فرع في الصناعة. بعد هذا فقط يلاحظ ماركس أنه «هنا» كما في العلم الطبيعي، تحقق صحة القانون الذي اهتدى إليه هيجل (في كتابه «المنطق»)، والقائل إن التغير الكمي وحده يتحول بعد نقطة معينة إلى فروق كيفية.»
الفصل العاشر
الخلاص بلا مخلص
فريدرش نيتشه (1844-1900م)
لو كان قد أجري استفتاء بين الفلاسفة المحترفين قبل الحرب العالمية الثانية عما حققه فردريش نيتشه، لانعقد الاتفاق على الأرجح، في البلدان الناطقة بالإنجليزية على الأقل، على أنه «فيلسوف أدبي» رائع، ولكنه يفتقر إلى الشعور بالمسئولية، وينبغي ألا يفرط المرء في أخذ أفكاره المثيرة مأخذ الجد. وقد أعرب «سانتيانا» عن الرأي السائد عندما تحدث في كتابه «الأناتية» (
Egotism ) في الفلسفة الألمانية، عن «البلاهة العبقرية» وعن «التجديف الصبياني» عند نيتشه. ولخص برتراند رسل، في كتاب متأخر إلى حد ما، هذا الرأي بقوله إن نيتشه «لم يخترع نظريات جديدة، بالمعنى الدقيق، في ميدان الأنطولوجيا (مبحث الوجود)، وتنحصر أهميته في ميدان الأخلاق أولا، وبوصفه ناقدا تاريخيا دقيقا ثانيا.» وفيما يتعلق بتأثير نيتشه يضيف إلى ذلك أن أتباعه «كان لهم وقتهم، ولكن لنا أن نأمل في أن تكون النهاية مقتربة بسرعة.»
وقد ثبت في هذه الحالة أن قدرة رسل على التنبؤ كانت ضعيفة إلى أبعد حد، ولكنه أثار بطريقة ضمنية سؤالا يتغلغل في أعماق المشكلة المتعلقة بمعنى فلسفة نيتشه: فمن هم أتباعه الحقيقيون؟ لقد كان الاتجاه السائد وقتا ما هو النظر إليه على أنه قد استبق الأيديولوجيات اللاعقلية الممجدة للقوة، والتي بلغت قمتها في الفاشية والنازية. وقد اعترف موسوليني صراحة بإعجابه بنيتشه، كما أن الكثيرين قد تنبهوا إلى وجود أوجه شبه، سطحية على الأقل بين انقلاب القيم عند نيتشه، بما يتسم به من طابع مضاد بعنف للتحررية والديمقراطية، وبين عقيدة القوة والمصير النازية. ورغم ما كان لهذه الارتباطات السيئة من تأثير مدمر في سمعة نيتشه، فليس من الممكن استبعادها والاستخفاف بها بسهولة؛ فكلمات نيتشه، إن لم تكن أفكاره، حافلة بالقسوة، وبغضه الواضح «للقطيع» أشد مرارة من بغض «سوفت
Swift » له. ولا شك في أن هناك نيتشه آخر، لا يظهر بوضوح، يميز بين عدو المسيح وعدو المسيحية، وكان خليقا بلا شك بأن يشمئز من قسوة النازية، أو على الأقل من سوقيتها. غير أن امتداحه «للفضائل» العسكرية كان صادقا، وهجومه المندفع على «حزب الإنسانية» يتردد مرارا في كل مكان من مؤلفاته.
Page inconnue