269

Les Épouses de l'Éloquence sur les Réalités du Coran

عرائس البيان في حقائق القرآن

Genres

كله سوء ، فمن عرفه غيره فالكل قد وقفوا فيه العالم والجاهل في مدارك عرفانه في عين النكرة ، والنكرة لا تتناهى ، والعبد في جميع الأنفاس في جزاء النكرة بعد النكرة ، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : «لو أن الله تعالى عذب جميع الملائكة لكان حقا له ، قيل : إنهم معصومون ، قال : من قلة معرفتهم بربهم» (1).

وهذا الامتحان في دار الدنيا ؛ لتقديس أسرارهم عما دون الله ، وتخفيف مطايا قلوبهم عن غبار الأوزار في تلك المرائي ، التي هي مجالس الأنس ومحافل الطرب ، حيث هرب الهرب.

قوله تعالى : ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا ) بمعنى قوله تعالى : ( ومن أحسن دينا ) أنه وصف من يحمل بسربال جلاله الذي يتلألأ منه حسن وجهه القديم ، وطار بجناح المحبة والشوق في هواء هويته ، فيجد طريقا من الأزل إلى الأزل ، فيسير من الله إلى الله إلى أبد الأبد ، فتلك المسالك دينه ، أي : دين أحسن من هذا ، وهو بجلاله وعظمته دليله منه إليه ، لم ينطمس مسلك الآزال والآباد ما دام بعزته ومجده أمام مطايا أسراره وعلم رواحل أنواره :

إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا

كفى لمطايانا برياك هاديا

بانت سمات الحسن منه حين أسلم وجهه لله إلى جمال الله ، يتجلى من وجهه تعالى لوجه قاصده ، فيبرز نور وجه القدم من وجهه ، أفنى وجوده لإدراك وجوده ، ( وهو محسن ) أي : عارف وعالم بما يطلب ويطلبه ، ومقصده مشاهدة الباقي بنعت الفناء فيها ، فسهل عليه اضمحلاله بالله في الله.

قال ابن أدهم : من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل ، فنعته في الفناء فيه اتصافه برضاه ، فيرضى عنه فيما يريد منه ، ومثل هذا الدين دين الحنيفية الحبيبية الجليلية المسايلة عن الحدثان في مشادة الرحمن ، ألا ترى كيف وصف حبيبه بقوله : ( ما زاغ البصر وما طغى ) [النجم : 17] حين رآه لم يلتفت إلى الحدثان ، وكيف وصف خليله حين برزت أنوار جلاله من مطالع القدر ببراءته عن الحدث بقوله : ( إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ) [الأنعام : 79].

وبين تعالى أن تمام حسنه لم يكن إلا بمتابعة خليله : ( واتبع ملة إبراهيم حنيفا ) وملته كسر أصنام الطبيعة بفأس الحقيقة في بداية المحبة ، وإذهاب عرائس الملكوت من

Page 279