ألا تشعرون كيف يقبل علينا الكائن الأكبر؟!
ابتهجوا، حتى تموتوا من شدة الابتهاج!
ولتذب نفوسكم في موسيقى الطبول؛
ذلك لأني أنا أنت وأنت أنا.
وتلاحقت الفقرات المنظومة، وأخذت أصواتهم تشف عن التأثر العميق، وكان إحساسهم بقرب المجيء شبيها بالتوتر الكهربي في الهواء، وأسكت الرئيس الموسيقى، وعند النغمة الأخيرة من الفقرة الأخيرة ساد الصمت الشامل؛ صمت الارتقاب الطويل الذي يسري في النفس، ويهزها كأنه الكهرباء، ومد الرئيس يده، وإذا بصوت مفاجئ يسمعونه فوق رءوسهم، صوت قوي عميق، فيه نغم موسيقى لا يتوفر للصوت الإنساني المجرد! صوت غير بشري، غني، حار، يدل على الحب والشوق والرأفة، صوت عجيب غريب غير مألوف. قال الصوت: «أي فورد، فورد، فورد» في بطء شديد ، وبنغمة تنخفض شيئا فشيئا، وشع من الشباك العصبية المعوية إحساس بالدفء، أثار كل الأطراف من أجسام المستمعين، وتحدر الدمع في أعينهم، وأحسوا كأن قلوبهم وأمعاءهم تتحرك في داخلهم كأن بها حياة مستقلة وذابوا وتحللوا عند سماعهم هذه الكلمة «فورد، فورد»، ثم صدر الصوت مرة أخرى وكأنه من بوق، وقال بغتة، وبنغمة أخرى تثير الذعر: «أنصتوا، أنصتوا!» فأنصتوا، وبعد فترة سكون وجيزة تحول الصوت إلى همس، ولكنه همس أشد نفاذا من أعلى صياح، وأخذ يكرر هذه العبارة: «هذا وقع أقدام الكائن الأكبر.» ثم كاد الهمس يتلاشى ثم قال: «إن أقدام الكائن الأكبر فوق الدرج.» ثم ساد الصمت مرة أخرى، وكانت الأعصاب قد توترت من الانتظار، ثم استرخت برهة، فتوترت الآن مرة أخرى، وكادت أن تتمزق من شدة التوتر ارتقابا للقادم، فلقد سمعوا أصوات الكائن الأكبر، وهي تدب دبا خفيفا فوق الدرج، وتقترب شيئا فشيئا فوق السلم غير المرئي، وظلوا ينصتون إلى وقع أقدام الكائن الأكبر، وأخيرا بلغ بهم التوتر أقصاه، ووثبت مرجانة رستشيلد على قدميها، وحملقت بعينيها، وانفرجت شفتاها، ثم صاحت قائلة: «إني أسمعه!»
وصاحت ساروجيني انجلز، وقالت: «إنه آت.»
وهب توم كاواجوشي وفيفي برادلاف على الأقدام في وقت واحد معا، وقالا: «أجل إنه آت، وإني لأسمعه.»
وأكدت جوانا صدق قولهما في لفظ غير واضح.
وصرخ جم بوكانوفسكي قائلا: «إنه آت.»
وانحنى الرئيس إلى الأمام، وبلمسة خفيفة أطلق الأصناج تهذي والآلات النحاسية ترن، ودقت الطبول كأنها محمومة.
Page inconnue