فقلت بامتعاض شديد: وما جدوى التشكي؟! ألا ترى أن الواجب يطالبنا بالتخلص منه؟
فتفكر قليلا ثم قال: ولكن ذلك سيجر علينا حربا طاحنة! - ألا يوجد حل؟
فقال بيقين: إقناع رجاله المقربين! - يا له من أمل بعيد.
فقال الرجل بحذر: لن نعمد إلى وسيلة يائسة قبل أن نستنفذ جميع الحيل ...
فعاهدته قائلا: ستجدون جيش الدفاع وراءكم في اللحظة المناسبة.
ولكن نجاح حملة التحريض عليه اقتضت وقتا طويلا، حلت فيه الكارثة بالبلاد، فلم يبق إلا أن ننقذ ما يمكن إنقاذه من تحت الأنقاض. ولقد تساءل كثيرون عن سر المأساة. أقول لك إن سرها يكمن في ضعف المارق؛ ضعف جسده وعقله معا. لقد أفرطت أمه في تدليله فنشأ شديد الحساسية لحد المرض، داعيا بانحطاطه لدى المقارنة بأقرانه المميزين مثل حور محب وناخت وبك، فأخفى شعوره بالهوان وراء ستار رقيق من التواضع الأنثوي والعذوبة المخنثة، على حين بيت الغدر لكل قوي، إلها كان أو كاهنا؛ ليخطر وحده في الساحة، محتكرا لصوت الإله الذي اخترعه، ولقوته غير المحدودة. من ناحية أخرى تصدى ضعفه لكل طامع كإغراء لا يقاوم. أجل لقد هرع إليه الرجال لا خوفا من قوته، ولكن طمعا في ضعفه؛ من أجل ذلك أعلن رجال الإمبراطورية إيمانهم برسالته، فبعث إليهم برسائل الحب حين تمردهم بديلا عن جيش الدفاع؛ ومن أجل ذلك أعلن الإيمان به رجال لا يرتقي الشك إلى عقولهم مثل آي وحور محب وناخت، وامرأة داهية مثل نفرتيتي. كان ضعفه الطعم الذي جذب إليه المنافقون والطماعون واللصوص والفاسقون. ولبثوا يتابعون أناشيده في المعبد ثم ينهبون الأموال ويستغلون العباد، حتى تهددهم الموت فتخلوا عنه، وانضموا إلى أعدائه محملين بغنائمهم؛ لذلك أعلنت رأيي للكاهن الأكبر عند اشتداد الأزمة. قلت له: لا تقم بزيارتك لأخت آتون، لا تنذرهم، دعني أزحف عليهم وأبيدهم ليستقر قلب العدالة ...
وأيدني توتو بحماس أشد، ولكن الكاهن الأكبر مال مع الحلم وحقن الدماء، فقال لي: حسبنا ما أصابنا.
وأدركت ما يجول بخاطره. إنه رجل داهية، وينظر إلى بعيد، فقدر ولا شك أنه إن أذن لي في القتال فقضيت على المارق ورجاله، أحرزت بحق الصدارة والبطولة، وحزت بذلك أقوى الأسباب لاعتلاء العرش. وعند ذاك سيجد على العرش ملكا قويا لا يمكن أن يتجاوز حجمه الطبيعي في رحابه؛ لذلك جنح إلى السلم، واختار للعرش غلاما لا حول له ليكبر ويتضخم على حسابه. وها هم اليوم يحومون حول العرش؛ الكاهن وآي وحور محب، ويتربصون بصاحبه. هكذا تجري الأمور في مصر التي نضب فيها معين الإخلاص.
على أي حال فنحن اليوم خير مما كنا أمس. لقد هجر المارق مع ضعفه فمات غما، وها هي الداعرة تنتظر النهاية وحيدة بين أطلال المدينة الكافرة.
وسكت ماي مضيفا على نبرته نغمة الختام، بيد أني سألته: ونفرتيتي يا سيدي القائد؟!
Page inconnue