حتى توهمت أنه على وشك الكفر به. ثم ذاعت أنباء الفساد في دواوين الحكومة والأسواق، وترامى إلى الأسماع أنين الفقراء، ثم جاءتنا أخبار الإمبراطورية بتمرد الولايات وتحرش الأعداء بالحدود، حتى قتل صديقنا توشراتا ملك ميتاني ... والد تادوخيبا. وقدمت نصيحتي قائلا بإلحاح: لا بد من التطهير في الداخل، وإرسال جيش الحدود للدفاع عن الإمبراطورية ...
ولكني وجدته صامدا ثابتا لا يتغير ولا ييئس. قال لي: سلاحي الحب يا آي، اصبر وانتظر ...
كيف أفسر هذه الظاهرة الغريبة؟
الكهنة يتهمونه بالجنون، وبعض رجاله شاركوهم في هذا الاتهام في الأيام الأخيرة من الأزمة. ولقد حرت في أمره، ولكنني رفضت وما زلت أرفض ذلك الاتهام. لم يكن مجنونا، ولكنه لم يكن أيضا مثل سائر العقلاء، كان شيئا بين هذا وذاك لم أعرف كنهه. وزارتنا الملكة الوالدة تيى، وسر الملك بالزيارة سرورا فاق كل تصور، واستقبلها استقبالا لم تشهد أخت آتون له مثيلا. ونزلت الملكة في قصر شيد لها خصوصا في جنوب أخت آتون، وظل خاليا في انتظارها. واستدعتني فاجتمعت بها وقد ساءني أن ألاحظ تدهور صحتها، وغلبة الكبر عليها أضعاف ما تقتضيه سنها الحقيقية. قالت: جئت لحديث طويل معه، ولكني رأيت أن أمهد لذلك بحديث مع رجاله.
فقلت: لم أقصر في واجبي كمستشار أمين.
فقالت: أصدقك يا آي، ولكن تراثنا لا يمكن أن يضيع هدرا، ولكني أريد أن تصارحني بأمانة، هل تظل وفيا لابني مهما حدث؟
فقلت بصدق: لا يداخلك شك في ذلك. - هل يمكن أن تفترق عنه عند نقطة معينة ترى أنها تعفيك من الولاء؟
فقلت بإخلاص: إني عضو في أسرته؛ فلا أتخلى عنه أبدا.
فقالت متنهدة: شكرا لك يا آي، الحال خطيرة جدا، هل تثق في إخلاص الآخرين بنفس القوة؟!
فتفكرت قليلا ثم قلت: بعضهم على الأقل لا يرتقي إليهم شك.
Page inconnue