فارتبك مرة ثانية، ولكنه أغمض عينه وأخذ يخرج من بين المتهمين ما شاء، وكان كلما أخرج واحدا يصف تهمته وصفا جليا كأنه يعرفه من سنين، والمدهش أن الشاهد لم يعرض عليه أحد من المتهمين وقال إنه لا يعرفه.
فتبسم له الرئيس ابتسامة أكبر من ابتسامة الضابط الأول، وقال له: ثانكيو.
ثم ذهب اللفتننت، وجاء بعده الكبتن بوستك فحلف اليمين، فسأله الرئيس: ماذا حصل لك يوم 13 يونيو؟ - فقال: كل إهانة، فإنهم ضربونا وسلبونا، وقتلوا الكبتن بول. - وتتهم من في هذا التعدي؟ - أتهم كل الموجودين. - بلا استثناء؟ - نعم، أعرفهم لو رأيتهم.
فعرضت عليه المحكمة المتهمين، فحذا حذو رفيقه فأخرج السيد العوفي، ومحمد إبراهيم عبد الحق، وسيد أحمد محمد موسى، وغيرهم ممن أوقعهم سوء الطالع بين يديه، ثم مر على زهران ولم يخرجه، فتضايق أحد القضاة وأشار له عليه وقال: ألم يكن هذا الشخص موجودا؟ - نعم كان موجودا.
ثم أشار على عبد الرازق وقال له: وهذا الشخص؟ - لا أعرفه، ولكنني أعتقد أن جميع المتهمين أهانونا، إلا أنني لا أتذكر إهانة كل واحد.
الرئيس: وإذا لم تتذكر عمل كل واحد فكيف تتذكر عمل المتهمين؟ - لا أدري.
فقطب أحد القضاة حاجبيه، ولكنه سكت كاظما غيظه، فأدرك الرئيس ذنبه، فقال له: لك العذر في ذلك.
ثم خرج وجاء بعده المستر بورتر، فحلف اليمين وسكت منتظرا سؤاله، فسأله الرئيس: ماذا حصل لك يوم 13 يونيو؟ - خرجنا للصيد فهجم علينا الأهالي فضربونا وسلبونا، وقتلوا الكبتن بول. - هل يمكنك تعيين المتهمين؟ - تعيين المتهمين هذا ليس في إمكان إنسان يا سيدي الرئيس. - لماذا؟ - لأنه لا يمكن معرفة المعتدين لطول الزمن، ولأن بعضهم تغيرت سحنتهم وطالت لحاهم. - ولكن فكر.
ثم نادى بالمتهمين المحصورة التهمة فيهم، فكاد يقول: إنه لا يعرفهم، إلا أن نظرة من منصة القضاء أوقفت الكلمة بين شفتيه، فهز المستر بورتر رأسه وشهد حتى قال: إنه واثق بأن الأهالي كانوا مصممين على الجناية.
فسأله الرئيس بلهفة: وما دليلك؟
Page inconnue