معاملته لزوجاته
وإنما نلخص ما أوجبه النبي على المسلمين عامة في معاملاتهم لزوجاتهم، وهي دون ما أوجبه على نفسه في معاملة زوجاته بكثير.
فكان يشفق أن يرينه غير باسم في وجوههن، ويزورهن جميعا في الصباح والمساء، وإذا خلا بهن «كأن ألين الناس ضحاكا بساما» كما قالت عائشة رضي الله عنها.
ولم يجعل من هيبة النبوة سدا رادعا بينه وبين نسائه، بل أنساهن برفقه وإيناسه أنهن يخاطبن رسول الله في بعض الأحايين. فكانت منهن من تقول له أمام أبيها: «تكلم ولا تقل إلا حقا ...» ومن تراجعه أو تغاضبه سحابة نهارها، ومن تبلغ في الاجتراء عليه ما يسمع به رجل كعمر بن الخطاب في شدته، فيعجب له ويهم أن يبطش بابنته حفصة لأنها تجترئ كما يجترئ الزوجات الأخريات. وإذا رأى النبي غضبا كهذا من جرأة كتلك كف من غضب الأب، وقال له: ما لهذا دعوناك!
وقد كان يتولى خدمة البيت معهن، أو كما قال: «خدمتك زوجتك صدقة ...»
وكان يستغفر الله فيما لا يملك من التسوية بين إحداهن وسائرهن وهو ميل قلبه: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك.
ولما أقعده مرض الوفاة أن يزورهن كل يوم كما عودهن، بعث إليهن فتلطف في سؤالهن: «أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟» ليقلن: عند عائشة ويأذن له في الإقامة ببيتها. ولو أنه أحل لنفسه أن يقيم حيث أقام وهو مريض لما كان في ذلك من حرج.
حديث الإفك
والمعاملة الطيبة في الزمن الطويل خلق نادر بين الناس، ولكنه في حالة الرضا خلق لا يشق فهمه على كثيرين.
إلا أن الخلق الذي يشق فهمه على الأكثرين هو طيب المعاملة عندما تتعرض الحياة الزوجية لأخطر ما يمسها من خطر وهو المساس بالوفاء. في هذه الخصلة تتسامى الحضارة الحديثة ما تتسامى فلا نخالها تحلم بمعاملة أطيب ولا أكرم من المعاملة التي أثرت عن النبي في قصة عائشة بنت الصديق وهي أحظى نسائه لديه، ونلخصها مما روته بلسانها إذ تقول - رضي الله عنها: ... كان رسول الله إذا أراد أن يخرج لسفر أقرع بين نسائه، فأيها خرج سهمها خرج بها رسول الله معه. وأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، ثم قفلنا من الغزوة إلى أن دنونا من المدينة، فقمت حين آذنوا بالرحيل فتمشيت حتى جاوزت الجيش وقضيت من شأني، وأقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي قد انقطع، فرجعت ألتمسه فحبسني ابتغاؤه. وأقبل إلي الرهط الذي كانوا يرحلون لي
Page inconnue