أما الحركة التي جاءت من قبل المشركين، فأعانت على هزيمتهم فذاك أنهم قد غرتهم طلائع النصر، فأقبلوا على الغنائم والأسلاب، وشغل الكثيرون منهم بالتقاطها واستلابها عن مطاردة المدبرين، فاتفقت الحركتان في وقت واحد لتحويل وجهة القتال. •••
ويتبين من مقدمات المعركة كلها ومن بوادرها التي أجملناها أن الهزيمة فيها بعد الهجمة الأولى كانت ضرورة مادية لا محيد عنها، وأنها ضرورة لم يكن لخالد يد فيها ولا طاقة باتقائها؛ لأن أسبابها كلها كانت من وراء تدبيره ومشيئته، وهي كثيرة نجملها ما وسعنا الإجمال.
فمنها أن الروح التي غلبت على جيش المسلمين في بداية المعركة كانت روح استهانة وقلة اكتراث، وأن الروح التي غلبت على روح المشركين يومئذ كانت روح استماتة وعناد مع تقارب العدد بين الجيشين.
وربما رجحت كفة المشركين في الدروع والسلاح لما تقدم من حاجة النبي - عليه السلام - إلى استعارة بعض الدروع والرماح.
و«منها» أن جيش المسلمين كان فيه كثير من الطلقاء، قد يبلغون الألفين وقد يزيدون، وكانوا على دخل أو على ضعف يبيتون النية على خذلان النبي فخذلوه، وتبعهم الناس.
و«منها» أن جيش المشركين سبق المسلمين إلى مواقفه، فاختار وأحسن الاختيار، وهجم في الوقت الذي ارتضاه.
و«منها» أن المسلمين كانوا يواجهون الشمس عند الصباح واليوم قائظ لا تقوى فيه العيون على مواجهة شعاعها، فحيل بينهم وبين التثبت والإحكام في مطلع الصباح إلى أن استوت الشمس في كبد السماء.
و«منها» أن استطلاع المسلمين لم يكن على عادته من البراعة والتيقن والإسراع، فقد أبطأ الفارس المستطلع حتى التمسه النبي - عليه السلام - مرات، ثم جاء ولم يخبر بشيء، ثم ظهر الكمين المرهوب من حيث لا يرونه، فأوقع بالخيل وهي لا تحسب له أي حساب، وهذا مع مهارة المشركين في الرماية، حتى قيل إنهم لا يسقط لهم سهم.
و«منها» أن بني سليم أصحاب الخيل التي تولاها خالد كانوا على قرابة من هوازن، وعز عليهم أن يلاحقهم المسلمون بعد استدارة المعركة، فكانوا يقولون: ارفعوا القتل عن بني أمكم ... وكانوا مع هذا ضعاف الإسلام فسبقوا إلى الردة بعد موت النبي عليه السلام، وما زالوا في موضع الظنة بعد ذلك على عهد الخلفاء.
فتقدير النبي
Page inconnue