وقد كان على ذويه في بني مخزوم أن يحاربوا حربهم إلى نهايتها؛ لأن الصراع بين الجاهلية والإسلام لم يكن إلا صراعا لهم قبل كل جاهلي وكل قرشي وكل عربي على التعميم.
وكان معسكرهم أولى المعسكرات أن يصمد إلى موقف الحسم من النضال بين الفريقين؛ لأن بلاءه بإدبار الجاهلية أكبر من كل بلاء، وموقفه أمام الإسلام موقف من ينافح عن عزته وعزة بيته وعزة آبائه وأجداده، وعزة «النظام» الاجتماعي كله كما قررته الجاهلية أحقابا بعد أحقاب؛ لأنه النظام الذي به يقومون وبهم يقوم.
وقد أبلى أبوه في هذا الصراع قصارى ما في وسعه من بلاء، وهو شرح يطول، وتفصيل تضيق به الفصول، ولكن إشارة واحدة فيه تغني عن بيان طويل، وصفحة موجزة من صفحاته تغني عن الإطناب في القال والقيل.
وحسبنا من تفصيل مكائده وجهوده كلها في حرب الإسلام أن نقول: إنه قد هان عليه في هذا السبيل أن يبذل العزيزين؛ الولد والمال.
ففي بداية الدعوة المحمدية، سعى وقومه إلى عم النبي أبي طالب؛ ليسلمهم محمدا أو يتخلى عنه، وله بديلا منه عمارة بن الوليد ... وقد وصفوه بأنه أنهد الفتيان وأشعرهم وأجملهم في قريش.
وبعد استفاضة الدعوة المحمدية يسعى إلى النبي فيمن سعى إليه من سراة قريش ليشاطروه أموالهم ويسكت عن أربابهم وعباداتهم، وفي ذلك يقول القرآن الكريم في سورة الأحزاب آية (1):
ولا تطع الكافرين والمنافقين .
وبمقياس هذا البذل السخي في سبيل الدين تقاس كراهة الرجل للدين الجديد، وهي كراهة الهرم التي تبقى إلى الموت؛ لأنه فوجئ بالإسلام وهو يقارب الثمانين وظل على الكيد له حتى مات بعيد الهجرة وقد نيف على الخامسة والتسعين. •••
وكان خالد فتى ناشئا يوم ظهر النبي بالدعوة الجديدة، فنفر منها كما نفر قومه أجمعون، وزاد على النفرة لهبا من حمية صباه، وتحفزا فتيا يسبق به أباه.
فما هو إلا أن بلغ مبلغ الزعامة في القتال حتى تجرد لها بعزيمة الفتوة وشجاعة البطولة، ولم تنقض سنتان على موت أبيه حتى كان قائد الميمنة في وقعة أحد المشهورة، وتولى الهجمة التي مالت بكفة النصر من جانب المسلمين إلى جانب المشركين.
Page inconnue