والناس يختلفون في تمثيل بيئاتهم وطبقاتهم غاية الاختلاف، ويصدقون في تمثيلها غاية الصدق وهم يتفاوتون بينهم تفاوت النقيض والنقيض؛ لأن البيئة مستودع شامل يوجد فيه الحسن والرديء ويأكل كل منه على حسب مأتاه ومورده، وحسب ما هو مستعد له وقادر عليه.
فإذا قيل سيد من سادات قريش أو نموذج من نماذج القرشية الجاهلية، جاز لنا أن نتمثله على ألوان كثيرة لا على لون واحد، وجاز أن يكون هذا السيد خير السادات من طبقته أو شرهم وشر أهل زمانه من جميع الطبقات.
ولكننا مع هذا قد نحصر الخصال المشتركة والنعوت الوسطى التي تشيع في هواء هؤلاء السادات غير من تجاوزوا الحد وبلغوا الندرة في الشذوذ والاستثناء.
فالغالب على هؤلاء السادة أنهم يتوارثون الثقافة العربية ويتدارسونها بالتعليم والتلقين والمعاشرة، ويستوعبون أخبار الحكماء وذوي الأحلام في علاج المشكلات، وتدبير الحيل ومصانعة الناس والأيام.
ويكثر فيهم أن يجمعوا الثقافة السياسية والعسكرية كما وصلت إليهم من تراث الأقدمين من عرب وعجم، وبخاصة من كان منهم منوطا بعدة الحرب وقيادة القبيلة في غزواتها أو مواقف دفاعها، كما كان خالد بن الوليد. •••
ومن صفاتهم الشائعة فيهم حب السيطرة، والصرامة، وقلة الرحمة، والاستزادة من المال، ومتع الحياة، والتفاخر بالوفر، والثراء، وجمع الحطام من حيثما اجتمع بأساليبهم التي كانوا يستجيزونها ولا يتحرجون منها، وأشيعها الربا والمغالاة بالأسعار.
وقد وجد في أسرة خالد من يكثر من الإقراض بالربا، ومن يرى في أموال الربا شيئا من الدنس يقاربه في أحوال ويستبعده في أحوال أخرى.
فمات أبوه وله على قبائل مكة وأرباضها ديون تحسب بالألوف لم يزل خالد يتقاضاها حتى أسلم وأسلم المدينون، فترك الربا من بعدها واكتفى برأس المال؛ عملا بالقرآن الكريم:
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (البقرة: 278، 279).
وكذلك وجد في أسرته من نزه الكعبة عن أموال الربا وما شابهها، فقال لقومه: «يا معشر قريش ... لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا؛ لا يدخل فيه مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد».
Page inconnue