Nasser et la gauche égyptienne
عبد الناصر واليسار المصري
Genres
إن دراسة الدكتور زكريا نموذج متكامل لموقف المثقف المصري البرجوازي المتردد من ناحية، والقادر - بما له من بلاغة - على المغالطة من ناحية أخرى، وليس هذا هجوما شخصيا على الكاتب بل تقييما موضوعيا لمساهمته ومحاولته لوضعها في إطارها الصحيح من حركة الفكر الوطني المصري.
أول ما يلفت النظر هو الحكم على ثورة 23 يوليو حكما «ديماجوجيا» لا يستند إلى أسلوب علمي واضح، فاليمين في مصر واضح في تحليله لثورة 23 يوليو باعتبارها في نظره خروجا أو انحرافا عن المسيرة الطبيعية لحركة المجتمع المصري بصورة ما قبل 1952م، أي اقتصاد متخلف تابع للأسواق العالمية، ومجتمع التمايز الطبقي الصارخ وثقافة الصفوة الممتازة، كذلك فإن موقف اليسار المصري واضح تماما، بل قد تحملت، وما زالت، فصائل اليسار الكثير في سبيل توضيح موقفها؛ وهو أن ثورة 23 يوليو بكل منجزاتها وبكل أخطائها تمثل حلقة هامة في تطور الحركة الوطنية في مصر، وهي بلا شك خطوة تقدمية بالنظر إلى مجتمع ما قبل 1952م وهي بلا شك إنجاز يجب الحفاظ عليه وتطويره وتنقيته أمام هجمة اليمين الرجعي في وقتنا الحاضر. إن الفترة من 1952م إلى 1970م تمثل محاولة من عناصر البرجوازية الصغيرة المصرية بقيادة جمال عبد الناصر لانتشال المجتمع المصري من براثن الاحتلال السياسي والعسكري والتخلف الاقتصادي والاجتماعي، ومن هنا فإن موقف اليسار من هذه الحركة موقف متسق تماما ليس فيه ذوبان وليس فيه قصر نظر كما توهم الأستاذ زكريا.
وثاني ما يلفت النظر في دراسة الأستاذ زكريا هو مغالطة دمغه لليسار بأنه ترك الحلبة لليمين ليرفع الشعارات ويتبنى القضايا المصيرية، ولست أدري كيف وصل د. زكريا إلى هذا الاستنتاج وهو رجل الفلسفة والمنطق! هل نسي تضحيات اليسار بكل شيء من أجل رأيه ... لقد أعلن اليسار، وما زال، رأيه واضحا من كل انحراف في مسيرة ثورة 23 يوليو، وقد تكبد في سبيل ذلك الكثير من فقدان الحرية إلى فقدان الحياة ذاتها ولم يكن اليسار أبدا من سكان الأبراج العاجية.
وثالثا فقد ابتعد الدكتور زكريا عن العلمية حينما صور علاقة اليسار بثورة 23 يوليو بأنها احتضان قاتل من الثورة لليسار، وهذا رأي يكشف عن عدم معرفة بأبسط مبادئ العمل السياسي، فاليسار قوة وطنية وثورة 23 يوليو تمثل قوة وطنية ذات آفاق تقدمية ولست أرى ما هو التعارض في أن ينضم اليسار إلى هذه الحركة يثريها بالفكر والعمل، ويدفعها إلى مواقع أكثر تقدمية، وإن كان اليسار يدافع عن ثورة يوليو فإنه الآن إنما يفعل ذلك عن إيمان بأن هذه الثورة لم تكن كلها سوءا، بل كانت حلقة تقدمية في تطور الحركة الوطنية في مصر. إن اليسار المصري ليس حركة ثقافية وليس كيانا مستقلا عن المجتمع المصري؛ ولذلك فهو ينخرط في تيار هذا المجتمع ويتفاعل معه، ويحاول التأثير في اتجاهه نحو آفاق أكثر تقدمية ومن هنا فلا يملك اليسار ترف الجلوس على مقاعد وثيرة والنقد خاصة بعد فوات الأوان.
وأخيرا فإن آراء الدكتور فؤاد زكريا هامة ويجب أن تؤخذ مأخذ الجد لا كتوجيه لليسار فيما يجب أن يفعل، فاليسار يدرك تماما مسئوليته التاريخية نحو جماهير الشعب المصري، بل كنموذج لفكر الأبراج العاجية البعيدة عن آلام وآمال ملايين المصريين الذين لا يملكون بلاغة الكلمة، ولكنهم بكل تأكيد يملكون القدرة على تغيير مجرى تاريخ هذا البلد العظيم: مصر.
د. سمير رضوان
مدرس الاقتصاد السياسي، جامعة أكسفورد
وراء موقف اليسار من عبد الناصر هدف كبير
هناك جزئية محددة تناولها الدكتور فؤاد زكريا في مقالاته؛ هي سؤال بدا أمامه محيرا:
لماذا اصطدم اليسار المصري بعبد الناصر في حياته بينما يتصدى للدفاع عنه باستماتة بعد موته؟
Page inconnue