فحدقت فيه وفمها مفتوح ... أتراه يتكلم جادا ... هل بلغ تقدم العلم هذا المبلغ المدهش ... أم هو يمزح ليؤنسها ويصرف ذهنها عما أصابه منها؟
وسمعت حمادة يقول: «أعرف رجلا بترت له ساقاه على أثر حادث ترام ... وكان يحب الألعاب الرياضية فركبوا له ساقين مدربتين على هذه الألعاب ... ويمكنك أن تتصوري بسهولة أنه أصبح الآن وليس أبغض إليه من هذه الألعاب، لأن ساقيه لا تتركان له يوما يرتاح فيه من الوثب والجري وما إلى ذلك.»
فلم يبق شك في أنه يمزح، فلم يسعها إلا أن تضحك، وإلا أن تعجب بروحه الواسعة الكريمة.
وقالت، والتفتت إلى أخيها وطاهر: «زكريا، يجب أن نحتفل بحمادة أفندي في أول يوم يخرج فيه ... يتغدى عندنا هو وطاهر أفندي ... أليس كذلك؟»
فنهض زكريا ودنا من السرير وقال يخاطب حمادة: «اسمع يا سيدي هذه الفتاة سريعة النسيان ... لقد اتفقنا أن نكتم الأمر كله عن الأم لئلا تسود لفيفي عيشها ... فليس من المناسب أن ندعوك إلى البيت على الرغم من رغبتنا في ذلك، ولكني أقترح أن نتغدى يوم تخرج في سيدي بشر ... إلى أن نمهد لإطلاع الوالدة المحترمة على الحقيقة تمهيدا نأمن به الشر الذي نخشاه، وإن كنا نستحق أضعاف أضعافه.»
ولم تسؤ حمادة وطاهرا هذه الصراحة، وراقهما ما بين الأخوين من الحب وما يتبادلان من الرعاية، وخطر لطاهر وهو ينظر إليهما أن فيفي كانت خليقة أن تعشق زكريا عشق المرأة للرجل لو لم يكن أخاها.
وحرصا على التخفيف فانصرفا بعد قليل. فقال زكريا لأخته في الطريق: «هيه.»
قالت: «هيه.»
قال: «لقد قلتها أولا.»
قالت: «أحسب أن معنى ذلك بعد الترجمة هو ما رأيي في حمادة ... الجواب مدهش.»
Page inconnue