وقد كان. دخلت على الخال، فألفيته لم يفق من تعجبه لاستئذاني عليه، فقلت أحاوره قليلا حتى أسري عنه، وأرد إليه روحه، ثم ألقي القنبلة، وسيسرني أن أراها تطير بأشلائه، وتمنيت أن يحدث له ما سيسمع مني سكتة قلبية، أو على الأقل فالجا، وقد كاد فعلا يفلج حين سمع مني أني أخطب لنفسي زكية، وأني أحبها وتحبني، وأنها ترضاني بعلا لها ... هراء بالطبع ولكنه لا يعرف أنه هراء، وقد انتفض واقفا، وضرب المكتب بجمع يده، فكان من دواعي اغتباطي أن يده وقعت على سن غطاء الدواة، فصرخ كأنما أصابته طعنة خنجر، ثم صاح بي: «اخرج من هنا ... حالا.»
فقلت: «ألا تسألها أولا؟ إن في وسعها أن تتكلم، وستتكلم، فما هي بقاصر.»
ولا أدري من أين رزقت كل هذه الشجاعة، وأحسب أن الذي شجعني يقيني أني أكويه وأشويه بكلامي، وأني أنتقم لنفسي، وأثأر منه، وأعوض ما فجعني فيه حين غرمني مائة قرش من أجل عمل صبياني.
وعاد إليه عقله لما نبهته إلى أن زكية ليست بقاصر، فدعا بها إليه، وقص عليها الخبر، وهو يظهر الاشمئزاز والتقزز كأنما يمسك فأرا ميتا.
فقالت له: «ولكن يا خالي هذا مستحيل ... إن أحمد هو الذي يريد أن يتزوجني، وهو الذي أرضى به.»
وكانت جرأتها في هذا أعظم من جرأتي أنا عليه، فثار وراح يقطع الغرفة كالنمر الجوعان، ويصيح: «وهل عندنا بنات يفعلن هذا؟ ما شاء الله! عال. لم يكن باقيا إلا هذا!»
فقالت بهدوء: «إذا كنت لا ترضى بأحمد، فالمسألة بسيطة. سأرضى بخليل، ولم لا؟ مستقبله حسن ... ومركزه الحالي لا بأس به ...»
فقاطعها وصرخ: «لا لا لا لا ...»
قالت: «إذن ترضى؟» وانحط على كرسي، وانحطت عليه زكية، تقبل خديه.
ولم يسعني أنا إلا أن أتسلل وأخرج ...
Page inconnue