(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: ينبغي للمسلم أن يستعمل الرفق في كل شيء والتواضع من غير ذل. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ما دخل الرفق في شيء إلا زانه وما دخل الخرق في شيء إلا شانه، وروى مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو نظر الناس إلى خلق الرفق لم يروا مخلوقا أحسن منه، ولو نظروا إلى خلق الخرق لم يروا مخلوقا أقبح منه)) وروى عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها ((أن رجلا استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له فبئس ابن العشيرة -أو بئس رجل العشيرة أو بئس أخو العشيرة- فلما دخل ألان له القول، فقلت له يا رسول الله قد قلت ما قلت ثم ألنت له القول فقال إن شر الناس منزلة يوم القيامة من أكرمه الناس اتقاء فحشه))، وقال أبو الدرداء: إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وأنفق مالا جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذل والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة، وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها ((أن رجلا خاصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال وهو يخاصم حسبنا الله ونعم الوكيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يلوم عبده على العجز فأبلغ بنفسك عذرها في حجتها ثم قل حسبي الله ونعم الوكيل)) وقال لقمان الحكيم لابنه: يا بني لا تكن مرا فتلفظ، ولا حلوا فتبتلع. وقال إبراهيم النخعي في قوله تعالى {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} قال: كانوا يكرهون للمؤمن أن يذل نفسه، وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن امرأة سألتها فقالت إن لي جيرانا يهينونني وجيرانا يكرمونني، فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: أهيني من أهانك وأكرمي من أكرمك.
(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: هذا الذي قالت عائشة رضي الله تعالى عنها هو العدل والإنصاف. وأما من أخذ بالعفو وأحسن لمن أساء إليه فهو أفضل لأن الله تعالى قال {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله} ويقال ثلاثة من أخلاق أهل الجنة لا توجد إلا في الكريم: الإحسان إلى من أساء إليه؛ والعفو عمن ظلمه، والبذل لمن حرمه، وهو موافق لقول الله تعالى {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} وروي عن ابن زيد عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، ولن يهلك امرؤ بعد مشورة لقوله تعالى {وشاورهم في الأمر}.
الباب السادس والستون: في فضل العصا
روى ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إمساك العصا سنة الأنبياء وعلامة المؤمن. وقال الحسن البصري رحمه الله: للعكازة ست خصال: سنة الأنبياء، وعلامة المؤمن، وزينة الصلحاء، وسلاح على الأعداء: يعني الكلب والحية وغيرهما، وعون الضعفاء، ورغم المنافقين، وزيادة في الطاعات. ويقال: إذا كان مع المؤمن العصا يهرب منه الشيطان. ويخضع له المنافق والفاجر، وتكون قبلته إذا صلى وقوته إذا عيى، وفيها منافع كثيرة كما قال الله تعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام {وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى} قيل: فيها ألف نوع من المنافع.
الباب السابع والستون: في زوال الدنيا عن المؤمن
Page 354