(قال الفقيه) رحمه الله: لا يجوز لأحد أن ينظر في بيت غيره بغير إذنه فإن فعل فقد أساء وهو آثم في فعله، فإن نظر ففقأ صاحب البيت عينه فقد اختلف المشايخ فيه؟ قال بعضهم لا شيء عليه، وقال الآخرون عليه الضمان، وبه نأخذ. أما من قال إنه لا شيء عليه فقد ذهب إلى ما روى ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي ((أن رجلا اطلع في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو علمت أنك تنظرني لطعنتك بها في عينك إنما جعل الإذن من أجل النظر)) وروى أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح، وأما من قال إنه يجب عليه الضمان فلأن الله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} الآية، وقال تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} فالخبر مخالف للكتاب وإذا كان الخبر مخالفا لكتاب الله تعالى أوله معنى سوى معنى ظاهره لا يجوز العمل به. واحتمل أن الخبر منسوخ كان قبل نزول قوله تعالى {وإن عاقبتم} الآية، ويحتمل أن الخبر على وجه الوعيد لا على وجه الحتم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بالكلام في الظاهر وأراد به شيئا آخر كما جاء في الخبر أن عباس بن مرداس السلمي لما مدحه قال لبلال: قم واقطع لسانه وإنما أراد بذلك أن يدفع إليه شيئا ولم يرد به القطع في الحقيقة فكذلك هذا يحتمل أنه ذكر فقء العين وأراد أن يعمل به عملا لا ينظر بعد في بيت غيره، والله أعلم بالصواب.
الباب الرابع والستون: في النهي عن التعرض للتهمة
(قال الفقيه) رحمه الله: لا ينبغي للرجل أن يعرض نفسه للتهمة ولا يجالس أهل التهمة ولا يخالطهم فإنه يصير متهما، وقال الله تعالى {أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم} وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((من تشبه بقوم فهو منهم)) وروي عن لقمان الحكيم أنه قال: من يصحب صاحب السوء لم يسلم، ومن يدخل السوء يتهم، ومن لا يملك لسانه يندم. وروي بهذا اللفظ أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى ابن شهاب عن علي بن الحسين ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أتته صفية وهي عمته وهو في المسجد فلما رجعت انطلق معها، فمر به رجلان من الأنصار فقال لهما إنما هي عمتي صفية قالا سبحان الله قال إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولقد خشيت أن تظنا فتهلكا))، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم)).
الباب الخامس والستون: في الرفق
Page 353