(قال الفقيه) رحمه الله: يستحب للإنسان غسل اليدين قبل الطعام وبعده فإن فيه بركة، روى زاذان عن سلمان الفارسي قال: قرأت في التوراة الوضوء قبل الطعام بركة فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ((الوضوء قبل الطعام وبعد الطعام بركة)) يعني غسل اليدين. قال الفقيه: ولا تأكل طعاما حارا لأنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أبردوا الطعام فإن الحار غير ذي بركة، ولا تشم الطعام فإن ذلك عمل البهائم)) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا تشم الطعام كما تشم السباع، ولا تنفخ في الطعام ولا الشراب فإن ذلك من سوء الأدب وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن ينفخ في الإناء وأن يتنفس فيه، وإذا بدأت فقل بسم الله الرحمن الرحيم وليكن طعامك من حلال لأنه يقال: من كان طعامه حراما، فإذا قال: بسم الله، قال الشيطان كلا إني كنت معك حين اكتسبته فأنا شريكك فيه فلا أفارقك الآن، وإذا كان طعامك حلالا وذكرت بسم الله فيه يهرب منك الشيطان، فإذا لم تسم شاركك الشيطان فيه وذلك لقول الله تعالى {وشاركهم في الأموال والأولاد} وإذا قلت بسم الله فارفع صوتك حتى تلقن من معك. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((إذا أكل أحدكم طعاما فليذكر اسم الله تعالى وليأكل مما يليه وليأكل بيمينه، وإياكم والذروة فإن البركة تنزل من أعلاه، ولا يأكل أحدكم ويشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل ويشرب بشماله، فإذا وضع في الإناء عشاء أحدكم فلا يقومن حتى يرفع، واجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه)) فهذا كله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروت عائشة رضي الله تعالى عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا أكل أحدكم طعاما فليقل بسم الله في أوله فإن نسي في أوله فليقل بسم الله في آخره، ومن قال عند كل لقمة بسم الله لا يحاسب يوم القيامة في أكلها)) وقال عبد الله بن مسعود: إذا دخل الرجل منزله فأكل ولم يسم أكل الشيطان معه، فإذا ذكر اسم الله منع الشيطان عن بقية طعامه وتقيأ ما أكل واستأنف طعاما جديدا. ومن السنة أن يأكل بيمينه لما روى أياس بن سلمة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه رأى رجلا من أشجع يأكل بشماله فقال له كل بيمينك فقال لا أستطيع فقال له كل بيمينك فقال لا أستطيع قال لا استطعت فما وصلت يده إلى فيه)) ومن السنة أن لا يؤكل الطعام من وسطه. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((تنزل البركة في وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه)) وروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا تأكلوا الطعام من فوقه فإن البركة تنزل من فوقه)) فإن قيل روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه أكل من وسط الطعام وقال آكل البركة ولا أدعها؟ قيل إنه احتمل أنه فعل ذلك بعد ما أكل من حافتيه. ومن السنة أن يلعق أصابعه قبل أن يمسحها بالمنديل وتركه من أمر العجم الجبابرة وكذلك لعق القصعة، ويقال إن القصعة تستغفر لمن يلعقها أي يلحسها. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((إن الله وملائكته يصلون على الذين يلعقون أصابعهم)). وروى عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أكل أحدكم فلا يمسحن يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه)) وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الصحفة والقصعة)) وعن عبد الله بن يزيد قال: رأيت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يلعق أصابعه الثلاثة إذا أكل. وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((إذا طعم أحدكم فلا يمسحن يده حتى يمصها فإنه لا يدري في أي طعام يبارك له فيه)) ومن السنة أن يأكل ما سقط من المائدة لما روى حجاج السلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أكل ما يسقط من المائدة لم يزل في سعة من الرزق، ووفى الحق عنه وعن ولده وولد ولده)) وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((إذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها وليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يتركها للشيطان)) ومن السنة أن لا يجمع بين الفاكهة والثفل في طبق واحد لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يجمع بين التمر والنوى على طبق واحد. ومن السنة أن يحمد الله تعالى إذا فرغ من الطعام. وروى أبو بكر الهذلي عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((إذا كان في الطعام أربع خصال فقد كمل شأنه كله: إذا كان من حلال، وإذا أكل ذكر اسم الله تعالى، ثم تكثر عليه الأيدي: وإذا فرغ منه يحمد الله تعالى)) ولا ينبغي أن يرفع صوته بحمد الله عز وجل إلا أن يكون جلساؤه قد فرغوا من الأكل لأن في رفع الصوت منعا لهم عن الأكل. ويستحب أن يبدأ الطعام بالملح ويختم به لأن ذلك من السنة، ويقال فيه شفاء من سبعين داء، ويستحب أن يأكل مما يليه، والاجتماع على الطعام أفضل من الانفراد. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((اجتمعوا على طعامكم يبارك الله لكم فيه)) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((شر الناس من أكل وحده، وضرب عبده، ومنع رفده)) ويقال أحب الطعام إلى الله تعالى ما كثرت فيه الأيدي. ويكره للإنسان أن يكثر الأكل حتى يملأ بطنه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه)) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وبحسب ابن آدم أكيلات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)) وروي أنه قال: ((كل داء من كثرة الأكل وكل دواء من قلته)) ويقال في قلة الأكل منافع كثيرة منها: أن يكون الرجل أصح جسما، وأجود حفظا، وأزكى فهما، وأقل نوما، وأخف نفسا. وفي كثرة الأكل تخمة وتتولد منها الأمراض المختلفة. ويقال إذا كانت العلة من قلة الأكل صحت بمؤنة قليلة، وإذا كانت العلة تولدت من كثرة الأكل تحتاج إلى مؤنة كثيرة يرفعها. وقال بعض الحكماء: ثلاثة أصناف من الناس يبغضهم الناس من غير أن يكون لهم منهم أذى: البخيل، والمتكبر، والأكول.
الباب الرابع والخمسون: في إجابة الدعوة
(قال الفقيه) أبو الليث رحمه الله تعالى: إذا دعيت إلى وليمة فإن لم يكن ماله حراما ولم يكن فيها فسق فلا بأس بالإجابة، وإن كان ماله حراما فلا تجبه وكذلك إن كان فاسقا معلنا فلا تجبه ليعلم أنك غير راض بفسقه وإذا أتيت وليمة فرأيت فيها منكرا فانههم عن ذلك فإن لم يمتنعوا عن ذلك فارجع لأنك لو جالستهم يظنون أنك راض بفعلهم. وروي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من تشبه بقوم فهو منهم)) وقال بعضهم: إجابة الدعوة واجبة لا يسع أحد تركها، واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم)) وقال عامة العلماء ليست بواجبة ولكنها سنة مؤكدة، والأفضل أن يجيب إذا كانت وليمة يدعى إليها الغني والفقير لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي كراع لقبلت)) وأما الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم)) فلأن القوم كانت بينهم عداوة في الجاهلية وكان في الإجابة ألفة وفي تركها إغراء فأوجب عليهم الإجابة، وإذا لم يكن يخاف هذا المعنى فالرجل بالخيار إن شاء أجاب وإن شاء ترك، والإجابة أفضل لأن في الإجابة إدخال السرور على المؤمن. ولبعض الحكماء:
Page 345