Les bâtisseurs de l'Islam : Mohammed et ses successeurs
بناة الإسلام: محمد وخلفاؤه
Genres
كانت التكية المصرية - وهي من مآثر محمد علي باشا الكبير - هي المكان المختار الذي أقصد إليه في أغلب الأحيان بعد الفراغ من الصلاة، أو إنجاز الأعمال؛ لأنال قسطا من الراحة، أو أشرب فنجانا من القهوة المصنوعة على الطريقة المصرية، أو أتسامر مع إخواني ومواطني أعضاء الجالية المصرية التي تتألف من طائفة الأساتذة المدرسين الذين استعارتهم الحكومة العربية السعودية من مصر للتدريس في مدارسها، ومن أطباء التكية التابعين لوزارة الأوقاف، ومن الأطباء المنتدبين للخدمة في الحكومة السعودية، ومن المهندسين المشتغلين بإصلاح الطرق واختطاطها، وتشييد القصور الملكية، والدور الحكومية، إلى غير ذلك من المشروعات الإصلاحية الواسعة.
وتنحر «التكية المصرية» يوميا عشرات الخراف، وتخبز عشرات «الجوالات» من الدقيق، وتوزعها يوميا على عشرات المئات من الفقراء تحت إشراف ناظرها الأستاذ عبد الله جاد، الرجل النشيط والإداري الحازم الأمين، ويدير الناحية الطبية فيها كل من الدكتورين: الأستاذ سعيد مصطفى، ومحمد بك كامل.
ولقد كان قلبي يخفق ابتهاجا وفرحا وغبطة حين كنت أشهد في كل صباح تلك الجموع الحاشدة المتزاحمة بالمناكب على أبواب «التكية المصرية» في انتظار الحساء واللحم والخبز، أو الأرز واللحم والخبز. كان ذلك المنظر يأخذ بمجامع قلبي حين كنت أخرج من «باب الصفا» وأعرج قليلا إلى اليمين؛ حيث أشهد «التكية» وما أمامها من تلك الكتل البشرية المتجمعة تجمع النمل! إذ ذاك ينطلق لساني بالدعاء والترحم على أولئك المحسنين الخيرين، وعلى الأخص ذلك المصلح الكريم العظيم: محمد علي باشا الكبير، جد الأسرة المالكة المصرية.
وفي الحق، إن البر خير دعامة يتكئ عليها الملك، وهو أعظم دواء يشفي جراح القلوب البائسة، والنفوس المحرومة، وكم من ملايين الجنيهات، تنفق هباء فتذهب مع الريح، أما أعمال البر وإن رصد عليها القليل من المال فهي باقية خالدة تنطق بلسان فصيح عن عظمة النفوس الخيرة حقا، وتدل أبلغ دلالة على أن الزبد يذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
وبين المصريين مئات من ذوي الغني واليسار، ينفقون باليمين ويبعثرون باليسار مئات الألوف من الجنيهات في الترف والنعيم والملاذ والمباذل والمهازل! وليس في أرض الحجاز الأرض الطاهرة أثر واحد يدل على بر المصريين وإحسان المصريين وخير المصريين سوى هذه «التكية المصرية»، ولقد كان في استطاعة المصريين - ونقصد الأغنياء الموسرين - أن يؤسسوا في كل شبر من أرض الحجاز (الأرض الطاهرة) مأثرة من المآثر التي يذكرها لهم التاريخ كما ذكر وما زال يذكر مآثر جد الأسرة العلوية، المغفور له: محمد علي باشا الكبير. ولقد كان في مقدور المصريين ذوي الثراء أن يتشبهوا بذلك الرجل العظيم الخير - والناس على دين ملوكهم - فيقفوا من أموالهم وما ملكت أيمانهم على مشروعات الخير والإحسان، وإن كانت جماعة مساعدة فقراء مكة والمدينة، وعلى رأسها صاحب السعادة حسن كامل الشيشيني، ومحمد بك الطوبجي، وعبد الملك بك المصلحي، تبذل مسعاها الخيري الدائم في استنهاض الأغنياء في سبيل الجود والبر بأهل الحجاز.
التكية في المدينة
والتكية المصرية في المدينة من مآثر محمد علي الكبير أيضا، وناظرها حضرة أمين بك عمر، وطبيباها حضرتا الدكتور رشدي، والدكتور الإبياري، ومهمتهما هي مهمة التكية المصرية عينها.
البعثة الطبية المصرية
قد يقال إن من مظاهر أعمال البر التي يقدمها المصريون في شخص حكومتهم إلى أهالي الحجاز إيفاد بعثة طبية مصرية تتولى معالجة الحجيج من المصريين والجنسيات الأخرى في موسم الحج، ولكن يؤسفنا أن نقول إن عمل هذه البعثة ضئيل الأثر، ولا يمكن أن يعتبر ميزة تقدمها وزارة الصحة، ذلك أن هذه البعثة تقدم إلى الحجاز عادة مع الفوج الأول، وتقوم بمهمتها بضعة أيام تنفق فيها آلاف الجنيهات، إنفاقا فيه بذخ، بل كل البذخ! أفمن أجل بضعة أيام تنفق الحكومة المصرية هذه الآلاف من الجنيهات على بعثة تضم أطباء وصيادلة و«تمورجية» وأدوية وعقاقير؟ في الوقت الذي كان من الخير فيه لو وضعت وزارة الصحة هذا الاعتماد المالي تحت يد وزارة الأوقاف لتضيفه إلى الاعتماد المخصص للتكية المصرية التي تضم أطباء يقومون بمعالجة أهل الحجاز والمصريين والجنسيات الأخرى في موسم الحج وفي غير موسم الحج. ويمكن لوزارة الأوقاف في هذه الحالة أن تعين طبيبا في العيون، وآخر في أمراض الأنف والأذن والحنجرة، وبهذه الوسيلة يمكن للتكية المصرية أن تكون فيما يختص بقسمها الطبي وافية بالغرض المنشود، لا سيما وأن أكثر الحجاج المصريين يعالجون فيها موسم الحج، لا بمعرفة البعثة.
ذكرت هذه الحقيقة في كتابي: «في بيت الله الحرام»، و«الأرض الطاهرة»، فعاب علي بعض كبار المصريين أن أجاهر بذلك لما فيه من المرارة، وهم فيما بينهم وبين أنفسهم يعترفون بصدق ما قررت، ولكنهم لا يرون الجهر به، وكم من علل وأدواء تنخر في عظامنا، ولا يمكننا معالجتها لأننا تنقصنا الشجاعة الأدبية للجهر بها!
Page inconnue