وظل نجم ابن العديم يصعد في سماء السياسة في حلب وسواها حتى وصل الى مرتبة الوزير، ولكن مشاغل السياسة والحياة العامة لم توقف العمل الفكري ولم تعطله، وهكذا صنف ابن العديم عددا كبيرا من الكتب، غلب على معظمها سمة التاريخ، ولعل أشهر كتبه «كتاب زبدة الحلب من تاريخ حلب» و«كتاب الانصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري»، وكتابنا الذي نتحدث عنه اليوم، وقد طبع كتاب الزبدة في أجزاء ثلاثة في دمشق، أما كتاب «الانصاف» فقد طبعت قطعة منه للمرة الأولى بحلب ثم أعيد طبعها في القاهرة، وأقول قطعة ذلك أن الكتاب لم يصلنا كاملا بشكل مباشر.
وعند ما قلت بشكل مباشر أردت أن أقول بأن الكتاب وصلنا بشكل غير مباشر، فواحد من أحفاد ابن العديم ممن عاش بعد جده في القاهرة، صنف كتابا حول القاضي الفاضل دعاه باسم «سوق الفاضل في ترجمة القاضي الفاضل»، وتوجد من هذا الكتاب نسخة خطية في مكتبة شيخ الاسلام عارف حكمت بالمدينة المنورة، وفي ثنايا الكتاب ورد في احدى رسائل القاضي الفاضل بيت من شعر المعري، وأراد حفيد ابن العديم أن يعرف بالمعري، فقال: قال جدي في كتابه الانصاف والتحري، وأثبت نص الكتاب بكماله، ويوجد هذا الكتاب مصورا على شرايط في معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية بالقاهرة سابقا.
ويعود سبب انتقال ابن العديم الى القاهرة، الى تعرض مدينة حلب الى الدمار سنة ٦٥٧ هـ على يد جيوش هولاكو، وكان ابن العديم غادر مدينته الى دمشق، ثم منها الى غزة فالقاهرة، ويبدو أنه عاد بعد عين جالوت الى دمشق، وربما أراد التوجه الى حلب، أو توجه اليها فعلا ليعاين الدمار الذي لحقها، وفي أثناء ذلك عرض عليه هولاكو منصب قاضي حلب، فرفض، وعاد الى القاهرة، حيث أمضى بقية حياته، وقد وافته منيته في مصر في العشرين من جمادى الأولى سنة ستمائة وستين للهجرة.
1 / 12