حسب مصطلحات أيامنا هذه، فهو قد جمع في كتابه المواد الاخبارية ونسقها، لكنه لم يحاول تعليلها ومعالجتها كما يفعل الباحث في التاريخ في جامعات أيامنا هذه
ومنذ أن بلغ الصاحب كمال الدين سن الشباب أخذ يشارك في الحياة السياسية والعلمية لمدينة حلب، فقد كان يحضر مجلس الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين صاحب حلب-فيكرمه ويقربه ويقبل عليه أكثر من اقباله على غيره على الرغم من صغر سنه، وفي ذي الحجة سنة ست عشرة وستمائة ولي ابن العديم أول عمل رسمي لقد ولي التدريس في مدرسة شاذبخت وكانت من أجل مدارس حلب وأرقاها، كل «هذا وحلب أعمر ما كانت بالعلماء والمشايخ، والفضلاء الرواسخ، الا أنه رؤي أهلا لذلك دون غيره، وتصدر، وألقى الدرس بجنان قوي، ولسان لوذعي، فأبهر العالم وأعجب الناس» (ياقوت:١٦/ ٤٤)، ويبدو أنه تولى بعد هذه المدرسة التدريس بالمدرسة الحلاوية، التي كانت أجل مدارس حلب، وهي مدرسة ما زالت قائمة حتى الآن، تعلو واحدا من جدارنها لوحة حجرية كتبها ابن العديم بخطه.
ومع مرور الأيام علت مكانة ابن العديم، فسفر عن ملوك حلب الى ملوك الدول المجاورة في بلاد الشام والجزيرة وآسية الصغرى، والى سلاطين القاهرة وخلفاء بغداد، وكانت خزائن كتب ووثائق كل بلد زارها تحت تصرفه، فنهل منها ما لم ينهله سواه، وأودع جل ذلك في كتابه بغية الطلب، ومن هذه الزاوية يمكن أن نرى أهمية هذا الكتاب، ومن ناحية أخرى يمكننا أن نرى المدن الذي وصلت اليه خزائن المشرق العربي قبيل وقوع الطامة الكبرى على يد المغول بسنوات.
وفي كل مكان زاره ابن العديم كان يلقى الحفاوة من رجال السلطة، وكان في الوقت نفسه يلتقي بالعلماء وشيوخ العصر فيأخذ عنهم، ولقد أودع ما أخذه عن علماء عصره، وما رآه من أحداث أو شارك به، أودعه في كتابه بغية الطلب، حتى غدا هذا الكتاب أشبه بمنجم للمعلومات لا ينضب معينه.
1 / 11