Bertrand Russell : Une très brève introduction
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
Genres
ويقصد بكلمة «التحليل» الاستقصاء الدقيق للمفاهيم الفلسفية المهمة، وكذلك للغة التي تجسدها، وذلك باستخدام طرق وأفكار مشتقة من المنطق الصوري. لم ينشئ راسل الفلسفة التحليلية بالطبع من دون مساعدة؛ إذ تأثر بعلماء المنطق جيوسيبي بيانو وجوتلوب فريجه وبزملائه في جامعة كامبريدج جي إي مور وإيه إن وايتهيد. وكان من بين مصادر التأثر الأخرى مفكرو القرنين السابع عشر والثامن عشر رينيه ديكارت وجوتفريد لايبنتس وجورج بيركلي وديفيد هيوم. كان أول كتاب فلسفي ألفه عبارة عن دراسة تحمل طابعا متعاطفا لثاني هؤلاء الفلاسفة. ولكنه جمع بين مصادر التأثر هذه بحيث أصبحت تقدم نهجا جديدا للمشكلات الفلسفية؛ مما ساعد في إيضاحها بضوء منطقي كاشف جديد؛ وبهذه الطريقة أدى دورا محوريا في تغيير فلسفة القرن العشرين تغييرا جذريا في التراث الفلسفي الناطق بالإنجليزية.
إذن كان راسل فيلسوفا بالمعنى الشعبي؛ أي كحكيم ومعلم للبشرية، وبالمعنى الأكاديمي المهني. في الفصول التالية سأقدم وصفا لإسهاماته في هذين الوجهين الفلسفيين. أما في الفصل الحالي فأقدم صورة وصفية لحياته الطويلة الثرية، المضطربة أحيانا، والتي تشكل في مجملها وتنوعها إحدى أهم السير الملحمية في العصر الحديث.
ولد برتراند آرثر ويليام راسل في 18 مايو 1872 في أسرة شهيرة، هي الفرع الأصغر من نبلاء بيدفورد. وكان جده لأبيه هو اللورد جون راسل الشهير الذي استحدث قانون الإصلاح في عام 1832، وكانت تلك هي الخطوة الأولى نحو إضفاء الطابع الديمقراطي على البرلمان. وشغل اللورد جون منصب رئيس الوزراء مرتين - من 1846 إلى 1852 ومن 1865 إلى 1866 - ومنحته الملكة فيكتوريا لقب إيرل. وكان جد راسل لأمه - اللورد ستانلي أوف ألديرلي - من الحلفاء السياسيين للورد جون.
كان والدا راسل زوجين غير عاديين ومثيرين للجدل؛ إذ كانا ملتزمين بالقضايا التقدمية مثل تنظيم الأسرة وحق التصويت للنساء. واختار أبوه - الفيسكونت أمبيرلي - جون ستيوارت مل ليكون أباه بالمعمودية بالمعنى غير الديني. وتوفي مل قبيل عيد ميلاد راسل الأول؛ لذا كان تأثيره عليه غير مباشر، مع أنه كان كبيرا.
شكل 1-1: عائلة راسل في عام 1863، ويظهر في الصورة دكتور فاجنر، وهو معلم خصوصي، وويليام راسل عم برتراند راسل، وليدي راسل، ورولو راسل (عم آخر) وجورجي (ابنة اللورد جون من زواجه الأول)، ولورد أمبيرلي، ولورد جون راسل، وأجاثا راسل (عمة برتراند راسل).
1
كان أمبيرلي عضوا بالبرلمان لمدة قصيرة، ولكن مسيرته السياسية تهاوت حين أصبح معروفا عنه تأييده لفكرة منع الحمل. ومن أمثلة آراء آل أمبيرلي التقدمية حالة دي إيه سبولدينج، وهو عالم بارع شاب كان يعمل معلما خصوصيا لشقيق راسل الأكبر فرانك؛ إذ كان سبولدينج مصابا بمرض السل؛ ولذا لم يكن وضعه يسمح له بالزواج وتكوين أسرة. وقرر آل أمبيرلي أن هذا ليس مبررا لكي يصير متبتلا؛ لذا فإن أم راسل «سمحت له بالعيش معها» - على حد تعبير راسل في سيرته الذاتية - ويضيف قائلا: «مع أنه على حد علمي ليس هناك دليل على أنها كانت تستمد أي متعة من تلك العلاقة» (السيرة الذاتية لبرتراند راسل، ص12).
توفيت أم راسل وأخته بمرض الدفتيريا في 1874 حين كان في الثانية من عمره، وتوفي أبوه بعد ذلك بثمانية عشر شهرا. كان أمبيرلي قد خصص اثنين من اللاأدريين أوصياء على أبنائه - كان سبولدينج أحدهما - ولكن جديه، الإيرل راسل وزوجته، رفضا رفضا قاطعا، ورفعا دعوى لإسقاط وصية أمبيرلي، وأخذا أحفادهما ليقيموا معهما في منزلهما في «بيمبروك لودج»، وهو منزل ملكي يقع في حديقة ريتشموند بارك. أحس فرانك - وكان يكبر راسل بسبع سنوات - أن الإقامة هناك غير محتملة؛ فراح يسلك سلوكا متمردا. فأرسلوه إلى مدرسة داخلية. أما بيرتي - وكان لين العريكة ودمث الطباع - فقرروا أن يظل مقيما في المنزل. توفي جده بعد ذلك بثلاث سنوات فقط، وأصبح خاضعا تماما لتأثير جدته المتزمتة التي تعتنق مذهب الكنيسة المشيخية الاسكتلندية، وكانت ابنة إيرل أوف مينتو الثاني. وغالبا ما يمكن تفسير شخصية راسل، بل تبريرها - حين تستدعي المناسبة ذلك فيما يبدو - بالرجوع إلى أصوله الأرستقراطية؛ ولكن التكوين الأولي لشخصيته جاء نتيجة المذهب البيوريتاني المتشدد الذي كانت تعتنقه جدته، وهو المذهب الذي كان يميز الطبقة الوسطى أكثر مما كان يميز الطبقة العليا الأرستقراطية في العصر الفيكتوري. وقد كتبت له جدته على الصفحة البيضاء في مقدمة الكتاب المقدس الذي أهدته إياه في ذكرى ميلاده الثانية عشرة نصا من أهم النصوص المفضلة لديها: «لا تتبع الكثيرين إلى فعل الشر.» وظل هذا النص من المبادئ التي ظل يتبعها راسل طوال حياته.
شكل 1-2: الصورة المصدرة لكتاب «العناصر»، وهو أشهر بحث لإقليدس عن الرياضيات.
2
Page inconnue