Bertrand Russell : Une très brève introduction
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
Genres
كنت أمر أحيانا بجوار أطفال يلعبون في الحديقة العامة، فأسمعهم يقولون بصوت عال واضح: «ماما، من ذلك العجوز المضحك؟» فأسمع من يرد بصوت هامس مرتاع: «اسكت! اسكت!» فيدرك الأطفال إدراكا مبهما أنهم ارتكبوا شيئا خاطئا، ولكنهم يعجزون تماما عن تصور كنه ذلك الخطأ. يتلقى كل الأطفال من آن إلى آخر هدايا لا تعجبهم ويلقنهم آباؤهم أنه يجب أن يبدو عليهم وكأنهم فرحوا بالهدايا. وحين يأمرونهم كذلك بأنه يجب عليهم ألا يكذبوا، يؤدي ذلك إلى تشوش أخلاقي. («عن اللباقة»، في كتاب «البشر وغيرهم» (ألين وأنوين، 1975) ص158)
تتحدث هذه الفقرة عن التربية القائمة على اللباقة. ويقول راسل إن اللباقة من الفضائل يقينا، ولكن لا يفصلها عن النفاق إلا خيط رفيع للغاية. ويتوقف الفارق بينهما على الدافع. فإذا كان العطف يدفعنا لإرضاء شخص ما في ظروف قد تؤدي الفظاظة فيها إلى إزعاجه، تصبح اللباقة ملائمة؛ ولكنها تصبح أقل لطفا حين يكون الدافع هو الخوف من الإساءة، أو الرغبة في الحصول على ميزة بالتملق. ولا تعجب اللباقة من يتسمون بالجدية الشديدة؛ فحين زار بيتهوفن جوته في مدينة فايمار صعق حين رآه يتصرف بأدب مع مجموعة من المتملقين الحمقى. إن من يواظبون على الصدق ولا يكذبون قط بدافع التهذيب عادة ما يحظون بالتقدير، ولكن يقول راسل إن هذا سببه أن الصادقين الحقيقيين مجردون من الحسد والحقد والتفاهة. «معظمنا يدخل في تكوينه شيء من هذه الرذائل؛ ولذلك علينا أن نستخدم اللباقة لتجنب الإساءة للغير. وليس من الممكن أن نصبح جميعا من القديسين، وإذا كان بلوغ مرتبة القديسين أمرا مستحيلا، فلنا أن نحاول على الأقل أن نتجنب أن نكون سيئي الطبع.»
شكل 4-2: فاز راسل بجائزة نوبل في عام 1950، ويظهر هنا وهو يتسلمها من ملك السويد.
2
ربما تبدو هذه مادة سطحية واهية، ولكنها تتسم بالأثر العميق، وتطرح نقاطا جديرة بالدراسة والتأمل؛ فكتابات راسل الصحفية عن المسائل الاجتماعية ذات طابع ممتع ومسل ومثقف، وهو ما تميز به.
ويتناول كتاب «الزواج والأخلاق» مسائل أكبر وأكثر إلحاحا؛ فهو يركز على الجنس والحياة الأسرية. ومن وجهة نظر راسل، للمثل الأخلاقية الجنسية مصدران أساسيان: رغبة الرجال في التيقن من أنهم حقا آباء الأطفال الذين تلدهم زوجاتهم، والاعتقاد الديني بأن الجنس آثم. كان راسل مستعدا دائما لتلقي الإرشاد من العلم في عصره، وفي هذه الحالة لجأ إلى علم البيولوجيا (الأحياء) للبحث عن تفسير لأصول تلك العادة. وقد دفعه علم الأحياء إلى الاعتقاد بأن المثل الأخلاقية الجنسية في العصور القديمة كان الغرض البيولوجي منها هو توفير حماية الأبوين لكل طفل، وهو دافع يحرص راسل على الموافقة على أنه دافع وجيه. ويقول إن الكثير من الضغوط تهدد الحياة الأسرية في العصر الحديث ويجب التصدي لها؛ فالأطفال بحاجة إلى عاطفة كلا الأبوين؛ أما البديل المتمثل في ترك تنشئة الأطفال جزئيا أو حتى كليا للدولة - كما تمنى أفلاطون - فليس مستحسنا؛ فإذا تولت الدولة تنشئة الأطفال، فسينتج عن ذلك قدر مفرط من التماثل، وربما قدر مفرط من القسوة؛ ومن الممكن استغلال الأطفال الذين يربون بهذه الطريقة ليصيروا أتباعا مخلصين لمروجي الدعاية السياسية ومثيري الفتنة والاضطرابات.
ولكن فيما يتصل بالمثل الأخلاقية الجنسية - من وجهة نظر راسل - فالاتجاه الحديث نحو زيادة حرية التعبير والسلوك أمر طيب؛ فالآراء الأكثر تحررا تنشأ من تراخي قبضة المثل الأخلاقية التقليدية، ولا سيما المثل الأخلاقية الدينية؛ ويصبح السلوك الأكثر تحررا ممكنا بفعل التطورات التي حدثت بخصوص منع الحمل؛ مما وضع النساء على قدم المساواة مع الرجال من حيث التحكم في حياتهن الجنسية.
في رأي راسل، تسببت العقيدة القائلة بأن الجنس آثم في ضرر فادح، ويبدأ الضرر في الطفولة ويستمر حتى النضج في صورة النواهي وما تسببه من ضغوط. يؤدي كبت الدوافع الجنسية إلى تسبب المثل الأخلاقية التقليدية في إفساد أنواع الشعور الودي الأخرى أيضا؛ مما يجعل الناس أقل تسامحا وعطفا، وأكثر ميلا إلى القسوة والأنانية. لا بد بالطبع من أن يحكم الجنس مبدأ أخلاقي، كما هي الحال مع التجارة أو الرياضة، ولكن لا ينبغي أن يقوم «على محظورات عتيقة يعرضها غير المتعلمين في مجتمع يختلف تماما عن مجتمعنا»، ويقصد راسل بهذا تعاليم آباء الكنيسة القدماء. «ففي الجنس، كما هي الحال في الاقتصاد والسياسة، ما زال مبدؤنا الأخلاقي تهيمن عليه المخاوف التي جعلتها الاكتشافات الحديثة غير منطقية» (الزواج والأخلاق، ص196-197).
لا بد من مثل أخلاقية جديدة قوامها رفض المذهب البيوريتاني المتزمت، على أن تبنى على الاعتقاد بضرورة تدريب الغريزة وليس التصدي لها. ولا ينطوي الموقف الأكثر تحررا تجاه الحياة الجنسية على أنه من المسموح لنا أن نطيع دوافعنا ونتصرف كما نشاء؛ وذلك لأنه لا بد من وجود اتساق في الحياة، ومن بين أهم جهودنا المفيدة الجهود الموجهة نحو الأهداف الطويلة المدى؛ مما يقتضي تأجيل المتع القصيرة المدى. أيضا، لا بد من مراعاة الآخرين و«قواعد الاستقامة». ولكن ضبط النفس - كما يؤكد راسل - ليس غاية في حد ذاته، وينبغي أن تضمن الأعراف الأخلاقية أن تكون ضرورة اللجوء إليه في حدها الأدنى لا الأقصى. ومن الممكن اللجوء إلى ضبط النفس إلى الحد الأدنى في حالة حسن توجيه الغرائز بدءا من الطفولة وإلى المراحل التي تليها. ولأن الغرائز الجنسية قوية للغاية، فإن دعاة علم الأخلاق التقليديين يرون أنه لا بد من كبحها بشدة في الطفولة، خوفا من أن تصير فوضوية وبذيئة. ولكن لا يمكن أن تبنى حياة رغدة على المخاوف والمحظورات.
ومن ثم، فإن المبادئ العامة التي يعتقد راسل بأن المثل الأخلاقية الجنسية يجب أن تقوم عليها بسيطة وقليلة. أولا: ينبغي أن تقوم العلاقات الجنسية «بقدر الإمكان على تلك المحبة العميقة الجادة بين الرجل والمرأة التي تشمل الشخصية الكاملة لكل منهما، وتؤدي إلى اندماج يثري كلا منهما». وثانيا: إذا نتج أطفال عن تلك العلاقات، ينبغي رعايتهم بدنيا ونفسيا على نحو مناسب. ويعلق راسل متهكما بأن أيا من هذين المبدأين ليس شديد الفظاعة؛ إذ يدرك الخزي الذي لحق به لما عرف عنه من زنا وطلاق ومساكنة دون زواج وبسبب لا مبالاته بإخفاء كل ذلك عن العيون، وكانت كلها سلوكيات فاضحة إلى حد فادح آنذاك. ولكن المبدأين معا يعنيان ضمنا أن مجموعة القوانين الأخلاقية التقليدية قد طرأت عليها تعديلات مهمة معينة.
Page inconnue