Bertrand Russell : Une très brève introduction
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
Genres
من الممكن عرض المشكلة بأن نذكر أن الاختلاف الأساسي بين الخطاب الواقعي العادي والخطاب الأخلاقي يكمن في وجود مصطلحات مثل «يجب» و«الخير» ومرادفاتها في الخطاب الأخلاقي. هل هذه المصطلحات جزء من «المفردات الأساسية» للأخلاق، بمعنى أنها غير قابلة للتعريف وأساسية لأي فهم للمفاهيم الأخلاقية؟ أم هل يمكن تعريفها في إطار شيء آخر، كالمشاعر والانفعالات مثلا؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب عن السؤال الأخير، فهل العواطف التي نحن بصددها هي عواطف الفرد الذي يصدر حكما أخلاقيا؟ أم لها مرجعية أشمل، تعود إلى الرغبات والمشاعر البشرية؟ (المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة، ص110-111).
يذكر راسل أثناء مناقشة هذه الأسئلة أنه عند دراسة الخلافات الأخلاقية المتعلقة بما يجب فعله في حالة معينة، نجد أن الكثير من تلك الخلافات ينشأ من النزاع حول النتيجة التي ستنشأ من هذا الخيار أو ذاك. ويثبت هذا أن التقييمات الأخلاقية تعتمد على تقديرات النتائج، وأنه لذلك يمكننا تعريف «يجب» بالقول إنه يجب تنفيذ فعل ما - من بين كل الأفعال الممكنة في تلك الحالة - إذا كان هو الفعل الذي من المرجح أن يؤدي إلى أكبر قدر من «القيمة الجوهرية» (وهو تعبير يستخدمه راسل كبديل أدق عن كلمة «الخير»).
هل «القيمة الجوهرية» قابلة للتعريف؟ يعتقد راسل أنها كذلك؛ إذ يقول: «حين ندرس الأشياء التي نميل لأن نرى فيها قيمة جوهرية نجد أنها هي كل الأشياء التي نرغب فيها أو نستمتع بها؛ فمن الصعب أن نصدق أن أي شيء من الممكن أن يحمل قيمة جوهرية في كون مجرد من الوعي الأولي. ويوحي ذلك بأن «القيمة الجوهرية» قد تكون قابلة للتعريف في إطار الرغبة أو المتعة أو كلتيهما» (المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة، ص113). وما دام يتعذر أن تكون كل الرغبات ذات قيمة جوهرية لأن الرغبات تتعارض، ينقح راسل المفهوم بحيث تفهم القيمة الجوهرية باعتبارها سمة ل «حالات مزاجية» يرغب فيها من يتعرضون لها.
وبهذا التعديل يقدم راسل الموجز الآتي لوجهة نظره. إن استحساننا أو استقباحنا لأفعال معينة عادة ما يتوقف على العواقب التي نعتقد أنه من المرجح أن تنتج عنها. ونسمي عواقب الأفعال التي نوافق عليها «صالحة»، ونسمي العواقب التي نرفضها «سيئة». ونسمي الأفعال نفسها «صائبة» و«خاطئة» بالترتيب. وما «يجب» أن نفعله هو كل فعل صحيح في هذه الحالة، بمعنى كل ما من شأنه أن يؤدي إلى زيادة نسبة الخير.
ومن بين هذه النقاط تحمل النقطة الأولى القدر الأكبر من الأهمية. إذا كان التقييم الأخلاقي مسألة تعتمد على ما يوافق عليه الناس وما يرفضونه، أفلسنا عالقين في المعضلة الذاتانية، دون أسس منطقية لتوريط أنفسنا في خطأ العنصرية والتعصب والقسوة وغيرها؟ وإجابة راسل هي أنه في واقع الأمر يوافق الناس موافقة واسعة الانتشار على كل ما هو مرغوب. ويتفق مع هنري سيدجويك في أن الأفعال التي عادة ما يوافق عليها الناس هي الأفعال التي تؤدي إلى أكبر قدر من السعادة أو المتع. وإذا كان هذا يشمل تلبية الاهتمامات الفكرية والجمالية («إذا اقتنعنا فعلا بأن الخنازير أسعد من البشر، فلا ينبغي لذلك السبب أن نرحب بالخدمات التي قدمتها الساحرة سيرسي التي جاء ذكرها في الأساطير الإغريقية.» فبعض المتع مفضلة «فطريا» عن غيرها)، يصبح لدينا وسيلة للإفلات من الذاتانية؛ إذ إن وجهة النظر هذه تمنحنا إفادات عما يجب فعله، وهي ليست جملا دالة على التمني أو أوامر متخفية؛ ومن ثم تحمل قيمة صواب؛ ولكنها تستند إلى وقائع تتعلق بمشاعرنا وبتلبية رغباتنا؛ فالوقائع المتعلقة بمشاعرنا هي أساس تعريف «الصواب» و«الخطأ»، والوقائع المتعلقة بتلبية رغباتنا هي أساس تعريف «القيمة الجوهرية». وهكذا يحقق راسل نجاحا في صياغة موقف وسيط يقع بين الموضوعية والذاتانية، ويحمل نجاحه - في الوقت نفسه - شهادة معتمدة عملية على نحو دقيق إلى حد ما؛ إذ يوفر سبيلا ليس فقط لتقييم الأفعال من النوع الذي يكون عادة محل خلاف في المناقشات الأخلاقية، بل كذلك العادات الاجتماعية والقوانين والسياسات الحكومية.
بالرغم من تفاؤل راسل حيال وجهة النظر هذه، فهي تتضمن عددا من الصعوبات؛ إذ تقول في الواقع إن أساس التقييم هو إجماع الرغبات. ولكن هذا معناه أنه إذا كانت الأكثرية في مجتمع معين مستاءة من المثلية الجنسية - مثلا - فإن المثلية الجنسية إذن تعد سيئة، فيما إذا كانت الأكثرية في مجتمع أكثر تسامحا يسري فيه إجماع مختلف، فلن تكون المثلية الجنسية سيئة. هل النسبية الأخلاقية من هذه الدرجة جديرة بالتصديق؟ وتتصل هذه الصعوبة بصعوبة أخرى، وهي أنه ما دامت قيمة العواقب تقاس بقدر الرغبات التي تلبيها، فإن درجة الشر التي تتسم بها المحرقة النازية تصبح نتيجة متوقفة على درجة تفوق نسبة إحباط رغبات ضحايا النازيين ورغبات السواد الأعظم من سكان العالم - ممن قد لا يريدون أن يشيع القتل الجماعي (ربما تحسبا لاحتمال أن يقعوا هم ضحايا له) - على نسبة تلبية رغبات النازيين. وكان راسل نفسه يشعر بوجود شيء أكثر إقناعا يكمن خلف الهلع الأخلاقي الذي نشعر به حيال المحرقة النازية، ولكن مبادئه لا تشرحه.
إن أي قدر من الإلمام بالمناقشات المتعلقة بالأخلاق يوضح أن جهود راسل في هذا المجال سطحية؛ فحتى في كتاب «المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة» تتسم المناقشة بطابع نصحي أكثر منه فلسفيا. ويقوم كتاب «المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة» على عموميات سيكولوجية شاملة، ولا يحتوي إلا على إشارة واحدة عن الدقة، وهدف الكتاب هو إقناعنا بقبول منهج عملي للتقييم الأخلاقي بدلا من تقديم الأخلاق مدعمة بأساس نظري. ويعود جزء من سبب ذلك - كما ذكر فيما سبق - إلى أن راسل لم يكن يعتقد أنه يمكن تطبيق الدقة على مناقشة الأخلاق؛ فكان من المقرر في البداية أن تكون الفصول التي تتناول الأخلاق في كتاب «المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة» عبارة عن تكملة لكتاب «المعرفة البشرية»، ولكنه لم يدرجها في الكتاب، لعدم رضاه عنها، ولم ينشرها - مدعمة بفصول عن المسائل السياسية - إلا بعد أن قرر أخيرا أنه لم يستطع عرض الحجج التي تحتويها عرضا منهجيا أكثر. ولكنه لم يشك من ذلك؛ فهدفه الأساسي من الأخلاق - كما هي الحال بخصوص كل المسائل الاجتماعية التي تصدى لها - كان على كل هو الجدل. كان يتمنى أن يكون مؤثرا في طريقة حياة الناس، وكان راضيا لتوريط نفسه في مجال الدفاع عن قضايا معينة والإقناع لبلوغ تلك الغاية.
المثل الأخلاقية العملية
نال راسل جائزة نوبل في فرع الآداب، وكان الكتاب الذي ورد في حيثيات نيل الجائزة هو كتاب «الزواج والأخلاق». ألف راسل الكثير عن المسائل المتعلقة بالمثل الأخلاقية العملية، ونجد بعض أفضل ما ألفه في هذا المجال في عشرات المقالات القصيرة التي كان يكتبها للصحف، وأهمها المقالات التي نشرتها دار نشر هيرست بريس في أمريكا إبان أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين. وفي هذه المقالات (دائما ما كانت لا تزيد عن 750 كلمة، حسبما يتطلب حجم العمود المخصص لها في صفحة الجريدة) يمنحنا راسل انطباعا بأنه سريع الملاحظة ومتسامح وعطوف ومتعقل، ولم يكن يسبق عصره فقط، بل وعصرنا نحن أيضا في الكثير من المسائل.
فلنأخذ مثلا مقاله «عن اللباقة». يقول في هذا المقال إننا نخصص للباقة والصدق مكانين منفصلين تماما، ولكن يأتي هذا على حساب أمر آخر:
Page inconnue