Entre religion et science : Histoire de leur conflit au Moyen Âge à propos des sciences astronomiques et géographiques
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
Genres
لقد كان في هؤلاء الأفذاذ من الشجاعة ما جعلهم يشيرون إلى هذه الحقائق وأن يصلوها بحقيقة أن تلك الأساطير والخرافات والنظريات التي ذاعت في بلاد الكلدان وبابل، هي لدى الواقع أقدم بكثير من تلك التي نقع عليها في أسفار العبرانيين على الرغم من أنها تشابهها، وعلى الرغم من أننا نعثر عليها متناثرة خلال كتبنا المقدسة، ولقد أظهروا فضلا عن ذلك أنه من الطبيعي أن تكون الروايات اليهودية التي قصت في حقيقة الخلق قد استمدت منها خلال أزمان بعيدة، وذلك عندما نشأ أول أنصار اليهودية بين الكلدانيين، بل أبانوا كيف أن قصص الخلق اليهودية التي مستها روح الشعر، قد اشتقت من التقاليد المقدسة التي ذاعت بين هذه الشعوب، أو من منابع سابقة نراها شائعة بين كثير من الأمم القديمة على اختلاف أصولها.
ولقد ألم المحترم دكتور «درايفر»
Dr. Driver
أستاذ العبرانيات ورئيس كنيسة كريست في أكسفورد - في ملخص فيه من عمق الفكرة والشجاعة والترابط ما هو جدير بأن يشرف اسمه كما يشرف المركز الذي كان يشغله - بهذه الحالات إلماما فائض الجوانب، فبعد أن ذكر أن العبرانيين كانوا شعبا من كثير من الشعوب التي فكرت في حقيقة الكون وأصله، قال «بأنهم نسجوا من الخيال روايات وقصصا حاولوا أن يعللوا بها أصل الأرض والإنسان»، وأنهم «كانوا يضعون تلك الروايات وضعا من عند أنفسهم حينا، ولجئوا إلى أخذها عن جيرانهم حينا آخر»، وأن «نتفا من النظريات التي ذاعت بين الآشوريين والفينيقيين قد احتفظ بها اليهود، وأن في هذه النتف من المشابهة لما جاء في القصص الإنجيلية، ما يؤيد لنا زعم الزاعمين بأن كلتيهما مدينتان بالانشقاق إلى أصل تقليدي واحد.»
وبعد أن أتى على مقطوعات كلدانية في أصل الخلق قال: «إذا استنرنا بنور هذه الحقائق صعب علينا أن نتعامى عن النتيجة التي تترتب عليها، والتي توحي إلينا بأن القصة الإنجيلية قد استمدت من نفس النبع الذي استمد منه غيرها من القصص، ومن الجلي أن المؤرخين الإنجيليين قد أخذوا المواد التي اعتمدوا عليها من أخص التخيلات الإنسانية التي ذاعت في عهدهم؛ فالمواد الأولية التي تجمعت في عقليات أمم أخرى فأخرجت أشد النظريات الكونية قربا من الغرارة وإمعانا في البساطة، أو اقترنت بصورة من صور التكثير، قد أعاد إليها الحياة، وحور فيها نبوغ العقل اليهودي وعبقريته، التي اختص بها مؤرخوه الأولون، فاستطاعوا أن يخلقوا من تلك الأشياء بيئة أينعت فيها دوحة من الحقاق الدينية ثبتت أصولها، وذهبت فروعها في السماء».
ولقد أتى الدكتور «ريل»
Dr. Ryle
أستاذ الإلهيات في جامعة كمبردج على حقائق تزجي إلى هذه الجامعة، وإلى مؤلفها من الشرف ما أزجت من قبل كتابات «درايفر» لجامعة أكسفورد، فقال بأننا إذا قلنا بأن المسيحي «إما أن يلغي ثقته في منتجات البحث العلمي، وإما أن ينبذ معتقده في الأسفار المقدسة، كان هذا أقرب الأشياء إلى العسف والابتعاد عن روح الحرية التي يسوق إليها المعتقد النصراني.» ثم قال: «إن الموقف الذي كان يقفه قدماء اللاهوتيين لم يصبح الوقوف فيه اليوم مستطاعا، وإن موقفا آخر لا بد من أن تلجأ إليه في العصر الحاضر، بل يجب أن نضرع إلى الله لكي يلهمنا ما هو، وأن نستمسك به مملوئين أملا .» ومن ثم بدأ يقارن بين قصة الخلق العبرانية وبين أقاصيص أعرق منها قدما كانت قد ذاعت بين شعوب تمت إليها بصلات الدم، وعلى الأخص بالكونيات الآشورية البابلية التي وجدت من قبلها، وأظهر في النهاية أن جماع هذه الروايات مشتقة من أصل واحد، بل إنه لم يقف عند هذا الحد من البحث، بل قضى بأن كل محاولة يراد بها تأويل نواح خاصة من تلك الأقاصيص لتصبح من طريق التأويل في ألفة من الآراء العلمية الحديثة، تقضي حتما باللجوء إلى تفسيرات لا علمية زائفة، وقال بأننا إذا أردنا أن نحتمي وراء تفسير علمي «وجب علينا أن نعتبر الوصف العبراني للكون المنظور وصفا غير علمي إذا حكم فيه من ناحية المثل الحديثة في العلم، وإنما هو يشاطر تماما حدود المعرفة القاصرة خلال ذلك العصر الذي كتب فيه» ولما وصل إلى الكلام في رواية سفر التكوين في أصل الإنسان الطبيعي قال إنها «تفسير في عبارات بسيطة لخرافات ذاعت قبل زمان التاريخ، وما هي لدى الواقع إلا أوصاف تصويرية بعيدة عن روح العلم.»
من هذه الأقوال وكثير غيرها مما فاه به باحثون مسيحيون في ممالك أخرى، يمكننا أن نستنتج إلى أي مدى ذهب انتصار العلماء على رجال اللاهوت القديم.
ولقد كان للأبحاث التي تناولت الآثار الآشورية، وغيرها من المنابع الأخرى، آثر حمل أوسع العلماء الذين درسوا في المعاهد النصرانية علما وأعمهم شهرة على التسليم بأن أقاصيص الخلق التي ظل اللاهوتيون يعملون أزيد من ألفي سنة على التوفيق بينها وبين المستكشفات العلمية، تلك الأقاصيص التي سدت الطريق في وجه كوبرنيكوس وغاليليو ونيوتن ولابلاس، قد نقلت نقلا أو نشأت محورة عن مجموعة تلك الأساطير والخرافات التي انتحلها العبرانيون من طريق علاقاتهم القديمة ببلاد الكلدان؛ ومن ثم صبت في قالب توحيدي، وأدمجت بعضها في بعض إدماجا غير تام التآلف، ثم صيغت في تلك القوالب الشعرية التي تقع عليها في الكتب المقدسة التي ورثناها عن أسلافنا الأولين.
Page inconnue