Entre religion et science : Histoire de leur conflit au Moyen Âge à propos des sciences astronomiques et géographiques
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
Genres
هنا ظهرت بوادر تلك الحالة التي تسلم فيها الأفكار اللاهوتية سلاحها لقوة العلم تحت عنوان إن العلم إنما يؤيد من مذاهب اللاهوت، وتلك صورة في التراجع كثر ما رأينا من أمثالها في كثير من الميادين التي تناحر فيها العلم واللاهوت، ولا غضاضة في أن نأتي على مثال، إن كان محدود المرامي قاصر الغايات، إلا أنه من أفضل الأمثال التي توقفنا على تلك الطرق الغريبة التي كان ينتحيها اللاهوتيون ليصلوا إلى مثل هذه الهزائم ملثمين؛ فمن منذ سنوات قليلة
6
ألقى أستاذ من أشهر أساتيذ الكيمياء في مدينة نيويوريك - إجابة لطلب رءوس كنيسة من كنائسها الحديثة - محاضرة أذيعت في الجرائد وفي الإعلانات الكبيرة التي غطيت بها جدران المدينة، أن الغرض منها إظهار أن العلم يؤيد نظرية الخلق التي ترويها الكتب المقدسة المنسوبة إلى موسى، فاجتمع عدد عظيم من السامعين، وبدأ المحاضر في إجراء عدة تجاريب فذة كان من أدواتها الأوكسجين والهيدروجين والحامض الكربونيك على الطريقة التي اتبعها «بلاتو»، والحق أن تلك التجاريب قد أيدتها المهارة، ولم ينقصها الحبك العلمي. ولما ظهرت الكرة الزيتية الملونة التي تمثل الأرض في بيئة شفافة متعادلة الكثافة من كل جهاتها، ثم تسطحت لدى القطبين وانبعجت من الوسط فخرجت من حولها المناطق التي تشابه مناطق زحل، ثم تكسرت متطايرة ودارت حولها، ثم تكونت هذه بعد ذلك أقمارا بأن تمزقت مرة ثانية، فظلت برهة تدور حول الكتلة المادية الأصلية، عج المستمعون بصياح الفرح وراحوا يصفقون بأشد ما أوتوا من قوة، فقام رجل من أغنياء المدينة وعبر عن شكر الجموع التي كانت تستمع للمحاضر على ما أظهر «لهم من صورة تنطبق كل الانطباق تفصيلا وإجمالا على العبارات التي وردت من السفر المقدس وعلى نتائج العلم الأخيرة»، وما زال عجيج السامعين يشق الأجواء وتصفيقهم يصم الآذان، حتى انصرف الجمع شاعرا بأن هذه الكنيسة قد خدمت الأورثوذكسية أمتع الخدمات وأبقاها.
وما تظهرنا عليه هذه الحادثة في هذا الميدان على ضيق مجاله، قد تكرر مرات مديدة في مواطن أخرى حيث برز على مرسحها ممثلون أتم قدرة وأبعد جولة؛ فإن عشرات من اللاهوتيين - ولا نذكر من مشهوريهم كمثال يحتذى في الفطنة والحماسة إن لم يكن في العلم؛ إلا مستر غلادستون - قد بذلوا جهدا كبيرا في سبيل «التوفيق» بين روايتي سفر التكوين بعضهما وبعض؛ ومن ثم بينهما وبين الحقائق التي استكشفت في أصل الكون من طريق علم الفلك: الجيولوجيا والفوسيقى والكيمياء، وقد ذكر لاهوتي من المشهورين، وهو أستاذ اللاهوت في جامعة كمبردج، نتيجة ذلك الجهد العظيم، فأعلن أنه «ما من محاولة قصد بها التوفيق بين سفر التكوين وبين الحاجات التي تتطلبها العلوم الحديثة قد عرف أنها نجحت من غير أن تلجأ إلى قدر عظيم من الضراعة والتوسل أو التأويل الإجباري، تلك الأشياء التي تلزمنا بديهة العقل أن نبتعد عنها جهد البعد في مثل هذه المشكلات.»
على أن ما أوحت به مستكشفات طائفة أخرى من العلوم التي كانت تعارض اللاهوتيين حينا، وحينا ترضي نزعة التأويل التي نزعوا إليها، قد مهدت السبيل لبلوغ حالة اطمأن إليها الذين شغلتهم هذه المشكلة، فجاء في أول الأمر نقاد إنجيليون - وهم لدى الواقع باحثون مسيحيون عمدوا إلى خدمة الحق وأحبوا الوصول إليه - وبرهنوا بما لا يحف به ريب ولا يعتريه شك، على وجود روايتين مستقلتين للخلق على الأقل في سفر التكوين، وأن هاتين الروايتين قد يمكن أن يعمد إلى التوفيق بينهما من طريق القس والإجبار، ولكنهما - في مفصلاتهما - متناقضتان تناقضا صريحا، ولقد أظهر هؤلاء الباحثون الأمناء فضلا عن ذلك أن تينك الروايتين ليستا نتاجا لمخاطرات القساوسة ولا لمماحكات الرهبان ومكرهم، بل هما لدى الواقع المشاهد أجزاء متناثرة من أساطير وخرافات ومذاهب لاهوتية قديمة العهد، خوطب بها اليقين المصفى من أكدار الشك واللاأدرية فقبلها، وإنها لم تجمع بين دفتي معتقد ما إلا لتخدم أسمى الأغراض التي رمى إليها أولئك الذين أكبوا بداءة ذي بدء على وضع تلك الصورة التي صبت في قالبها كتبنا المقدسة.
وعقب على هؤلاء اللاهوتيين علماء الأرخيولوجيا واللغويون والباحثون في العاديات القديمة من أمثال رولنسون وجورج، سميث وسايس وأوبرت وجنسن
Jeusen
وشارد وديلتش، وفئات من أمثالهم المنقطعين للدرس والبحث فحلوا رموز الكثير من النقوش التي عثر عليها في مكتبة آشوربانيبال في مدينة
Nineveh
وهنالك وقعوا على رواية أو قصة في أصل الكون تطابق في أهم مفصلاتها، وأدق صورها تلك الأقاصيص الأخيرة تعثر بها في سفر التكوين.
Page inconnue