وأغمضت كل عيوني الداخلية وآذاني وكأنني أهم بإلقاء نفسي في بحر غريق.
ووجدتني أقول وأنا واقف مستندا بظهري إلى المكتب وهي أمامي على الكنبة: صحيح يا سانتي، ماذا يمكن أن يحدث لو لم أكن نادما على ما فعلت؟ أنا ... هذا شيء يحدث بالرغم عني، صدقيني إنه يحدث بالرغم عني. أنا لا أعرف ماذا يدفعني إليك؟ قوى أكبر منك يا سانتي، انظري إلي! أنا لا أضحك، أنا أقول الحقيقة، انظري إلي.
كنت قد أمسكتها من كتفيها واقتربت بوجهي من وجهها. وكالأعمى الأصم كنت أريد أن أقبلها.
وأحسست بذراعيها تقاومان يدي، وأحسست بمقاومتها تنتقل إلى جسدها كله، وحاولت دفعي بلا إحراج وهي تردد: يحيى، يحيى، يحيى أنا لن آتي إلى هنا مرة أخرى، هذه آخر مرة.
ولو لم أكن أحبها لأخذت هذا الكلام على أنه شيء ضروري من الواجب أن يقال في أمثال هذه الأحوال، تلك هي عادة المرأة في كل زمان ومكان، أن تقاوم. ولكني كنت أحبها، وكل كلمة منها كانت شيئا مقدسا بالنسبة إلي، وكل كلمة منها كنت آخذها جدا لا هزل فيها.
وتركتها حينئذ وأنا ناقم ساخط يائس، أستدير وأضرب كفي بقبضتي وأعض على شفتي وأتمنى أن أموت.
وكانت هي قد وقفت وأخذت تصلح شعرها بالرغم من أني لم أكن قد مسست شعرها أو غيرت نظامه. ولمحت أنها تستعد لمغادرة الشقة.
وقلت لها وأنا أغمغم: أرجوك، لا تغادريني، أرجوك. وحين رأيت أنها لم تدفعني قلت: فقط دعيني أشم رائحة شعرك، إني أحبها جدا.
وحقيقة إني كنت أحب رائحة شعرها، وأجمل من رائحة شعرها كان إحساسي أني أشمه وأنها تسمح لي بهذا.
ظللت أمرغ أنفي بين خصلات شعرها الأسود اللامع، وأحدق بعيني في رأسها وأنا أعب من رائحته، وأرى جلدة رأسها البيضاء من خلال جذور الشعر الأسود فأقشعر وكأني أراها عارية.
Page inconnue