Le Héros de la Grande Renaissance Égyptienne, Saad Zaghloul Pacha
بطل النهضة المصرية الكبرى سعد زغلول باشا
Genres
وظل كذلك صاحب الترجمة رائعا في كل موطن من المواطن العصيبة في ندوات الجمعية التشريعية، يناضل عن موقفه، ويحارب عن إخلاص في سبيل المهمة التي أنابته الأمة عنها لها، حتى حق عليه أن يقول صادقا، كلمته الكبرى التي فاه بها في تلك الجمعية، لست آلة في يد أحد غير نفسي! ...».
فلما انتهت الجلسات في دور انعقادها الأول لم تلبث الظروف أن تغيرت، ووقعت من الأحداث الغريبة ما أوقف سير تلك الجمعية، إذ أعلنت الأحكام العرفية بعد نشوب الحرب بزمن يسير، وذلك في شهر نوفمبر عام 1914 فعاد سعد زغلول إلى العزلة وأخلد إلى الحياة الهادئة. (7) في حياة العزلة
نشبت الحرب الكبرى وتغيرت الحكومة المصرية من خديوية إلى سلطنة وعين الأمير حسين كامل يومذاك السلطان الأول، وبقيت الوزارة الرشدية العاقلة الرزينة تعمل باحتراز وتتخذ طرائق تمشي بها في تلك الملمة السياسية العصيبة، واعتقلت السلطة العسكرية البريطانية خلقا كثيرا من مختلفي الطبقات فذهبت بهم إلى المنفى وتقطعت الأسباب بالذين نفوا في الغرب وحيل بينهم وبين بلدهم العزيز
وفي وسط تلك الزوبعة السياسية الهوجاء كان رجل عظيم في ركن من هذا البلد يعيش معتزلا الدنيا ناعما في ظل الوحدة هادئا لا يعبأ بالقلاقل التي حوله ساكنا لا تنفذ إلى جنابه الضجة ولا تثيره الضوضاء ولم تمسسه السلطة العسكرية بسوء، ولم تفكر في اعتقاله لأنها رأت أمامها رجلا عاقلا تتخذ على نفسه عهدا أن لا ينهض بشر ولا ينهد من سكونه في خلال الحرب، وعلمت أن لا خطر عليها وعلى نواياها وأغراضها وخططها وطرائقها منه في عزلته؛ لأنها أدركت أن الرجل العظيم لا يعمل في خفية ولا يتستر على ما يعمل ولا يدس الدسيسة في المكامن وينجز مهماته في الخفاء، ولذلك لم تشأ السلطة العسكرية أن تحرمه حريته بل تركته لشأنه فلزم داره وأخلد إلى بيته، ولكن رجلا مفكرا عاش طوال عمره على الجهاد والدأب لم يكن يستطيع أن يدع نفسه بلا عمل أو يستنيم للقعود والعطل؛ لأنه يعلم أنه ولا ريب لا يلبث أن يصدأ ويفقد لمعته وبريقه لأنه من معدن حساس رقيق لا يطيق صبرا على برودة السكون والعيش في ظلال الخمول.
وإذ ذاك رأينا الرجل الذي شهدناه في الرحلة الرابعة من عمره يجلس إلى درس اللغة الفرنسية، وينكب على تفهم أسرارها وقواعدها قد عاد في الحلقة السادسة وهو يحطم الربيع الخامس والخمسين فأمسك بالكتاب يتهجى في لغة جديدة ويفك الخط في حروف لم يعرفها من قبل، وراح يتعلم اللغة الألمانية ويطالع كتبها الأولية حتى ينقذ ذهنه الكبير من برودة الفراغ ويخلص روحه من مفسدة التبطل وحتى يعرف طرفا من لغة هذا الشعب الذي وثب في هذا العصر فقذف بالعالم كله في شعلة نار عظيمة أحرقت جميع نشاط الدنيا، وهدمت الحضارات، وجاءت بأفكار جديدة، وأنشأت عصبة الأمم، وأخرجت ذلك الأستاذ الفيلسوف الإنساني الخالد، الرئيس ويلسون وهو يحمل رسالة جديدة من الوحي السياسي، ويصرخ في العالم بنداء رفيق، وينادي الدنيا إلى مبادئ سامية عالية، ويريد أن يقتل شبح الحرب من الأرض، وينشئ السلام العام المقيم، ويخرج الشعوب الصغيرة من أسار الاستعباد، ويرد الحرية إلى الأمم الصغيرة والكبيرة على السواء.
فلما وقفت رحى الحرب وخمدت شعلة القتال، وتهادن الأعداء، ومشى الجمع بكلمة الهدنة في الصفوف واللواء، لم يلبث المترجم به أن قذف بكتاب اللغة التي كان يتعلمها جانبا ونهض مجفلا من سكونه على هذا الصوت الأجش العميق الذي تردد في أركان العالم بأسره، ووثب وثبته من عزلته؛ إذ علم أن الفرصة قد جاءت وكان منها على مرتقب به، وأن السانحة سنحت وكان منها على مرصد، ورأى أنه لا يخلق به أن يعتزل العالم وقد سمع ويلسون ومبادئه العالية، ووجد أن أمته حرية بأن تظفر بتحقيق أمانيها القومية، قمينة بأن تشترك مع الشعوب المطالبة بالحرية، فجعل يضع المذكرات ويجمع حوله الأنصار والصحابات فلم يلبث أن استقال الأستاذ الكاتب الاجتماعي الخالد أحمد لطفي السيد من وظيفته على رأس دار الكتب السلطانية وانضم إلى الجمع الوزير إسماعيل صدقي باشا، ثم شعراوي باشا، وحمد باشا الباسل، ومحمد باشا محمود، وطائفة من عيون الأمة وأبطالها ومفكريها وقرروا أن يكون منهم وفد يحضر مؤتمر السلام، ويمثل الأمة المصرية وينضح عن قضية الشعب المصري في عصبة الأمم، وكذلك مضوا في عملهم ومشو ا على سننهم غير مزحزحهم خوف أو واقف بهم تردد أو ريب حتى إذا كان الشهر الماضي «مارس عام 1919» لم تلبث الأمة أن فزعت ونهضت مروعة على نبأ استكت منه المسامع ووقرت له الآذان وكسفت له الوجوه وهو نبأ اعتقال الزعماء الكبار سعد ورفاقه الثلاثة إسماعيل صدقي وحمد الباسل ومحمد محمود ونفيهم إلى مالطة.
ووقعت أحداث ومظاهرات وقلاقل وملمات كان منها أن أفرج بعد أيام عن أولئك العظماء وأجيز لهم السفر إلى المؤتمر فركبوا الباخرة كاليدونيا الفرنسية شاخصين إلى مرسيليا وقد رحلوا هم ورفقاءهم الذين سافرو ا للحاق بهم من مصر إلى باريس في اليوم الثاني عشر من شهر أبريل عام 1919 وقد أعدوا العدة للدفاع، وحشدوا ما في النفوس من قوة للنضال عن الأمة المصرية أمام سادة أهل الغرب وساستهم والمفكرين والشهود العدول والعظماء المنصفين. •••
هنا نمسك القلم عن الخوض ونقف موقف المؤرخ المرتقب النتائج المتمهل للحوادث المنتظر دورة الزمن غير مستعجلين القضاء ولا مستقدمين الحكم ولا متكهنين بالنبوءة، وندع للتاريخ حق التسجيل والتدوين، ونرجو أن يعود هذا الرجل العظيم يحمل كتاب الحياة الجديدة ومطالع المستقبل النضير وبواكر العهد الجديد في تاريخ مصر الحديث. (8) حياة الأسرة
ما أرحم قلب الطبيعة وأبدع حكمة الكون إذ تهب القوة الإلهية الرجل النابغة والمفكر العظيم الذهن امرأة ذات خلق وسيدة ربة ذكاء تسهم وإياه في عمله الذي أراد الله به أن ينفذ، وتحمل عنه أعباء حياته الخطيرة وتقوم على مواساته ومشاطرته عواطفه ونزعاته، وأنت قد رأيت مما قرأت من سجل المخلدين والنوابغ وأبطال الإنسانية وهداة الدنيا أن العظيم لا غناء له عن المرأة تحمل طرفا من البناء الذي يعمل على تأسيسه وترسل في ثنايا روحه حرارة النشاط، وتمده بتلك القوة الهائلة التي لا بد منها لعمله، وأن أكثر عظماء التاريخ لم يصيبوا الخلود ولم يظفروا بالذكر الذائع، ولم تتم لهم المقاصد وتنجز الفعال الجسام إلا وكان بعض الفضل لزوجاتهم ونصف العمل موكلا بنسائهم.
وإن كان التاريخ يخص بالفضل كله الرجال وتروح أسماء النساء معلقات في أذيالهم متضائلات بجانب أساميهم، وتجد آخرين من أهل البطولة جبابرة العقول كانوا ولا ريب ستعتريهم برودة الحياة ويقعون في الخمول وتنحط فيهم مداركهم ويسفون إلى الحضيض ويخسرون الصفحة الناصعة التي أعدت لهم في سجل البررة الأخيار والنوابغ الكبار لو لم تنهض لهم من جوف الأقدار سيدة أو زوجة فحملت عنهم أوزارهم وخففت بيدها البضة جراحهم، وأعدت لهم الخلود مقاما عليا، ولولا أن جوزفين وقعت من حظ نابوليون وهو في نشأته الأولى وشبابه الغض وبواكر عمله ونبوغه لما كان منه نابوليون الخالد الذي دوخ الغرب وثل عروش الأكاسرة ورمى بلاد المغرب في شعلة حرب ظلت أعواما طويلة مشبوبة لا تخمد سعيرها؛ حتى لكأنما كانت جوزفين وهي بعيدة عن زوجها بونابرت الشاب المتوقد النشاط وهو في ميدان القتال يرسم الخطط للمعارك، ويضع الطرائق للمواقع هي التي توحي إليه بالوحي، وهي التي ترسم بيده صور القتال وهي التي تجري ريشته على الخرائط في ميدان النزال.
Page inconnue